روايات التجارب المنسيّة والمهمّشة

ثقافة 2019/11/16
...

بغداد/ ابتهال بليبل
 
(هكذا اختفى وإلى الأبد كائن بشري لم يفكر في حمايته أحد على الإطلاق، رحل الرجل الذي لم يكن عزيزا على قلب أحد ولم تهتم به روح بشرية أخرى على الإطلاق.. رحل الكائن البشري الذي تحمل صفاقة واستهزاء زملاء العمل دون اعتراض، رحل المخلوق الذي سقطت على راسه كارثة بقسوة تلك الكوارث التي تسقط على رؤوس العظماء والملوك).. هذه السطور المقتبسة من قصة المعطف "لنيكولاي غوغول"تأخذنالبطلها"أكاكي أكاكييفتش"، الذي كان صوته داخل القصة من الأصوات المرتبطةوجودياً بهياكل قمعيةواقعية، تعتمد على نظرية التهميش التي تعنى بإقصاء الفرد من المشاركة في المجتمع. 
نظرية التهميش التي كتب عنه الكثير من الفلاسفة والأدباء والنقاد، أمثال الفيلسوف "ميشيل فوكو" والناقدة"جوليا كريستيفيا" والكاتبة "راشيل كارسون" وغيرهم.
"أتشوق لاقتناء الروايات التي تتحدث عن شخصيات رفعت أصواتها في عالمنا هذا، ولم يتم الإصغاء لها"، بهذه العبارة تصف غادة قاسم، وهي من عشاق قراءة الروايات، شغفها في البحث عن روايات يمثل أبطالها الواقع الذي يدفع المجتمع لتهميشهم.
حديث غادة عن الأبطال المهمشين في الروايات يدفع، نادية صادق، للاعتقاد في أن هذه الروايات واقعية وليست خيالية، لأنها تستكشف التجارب المنسيّة والمهمّشة بشكلها الطبيعي في المجتمع، وتقول نادية، وهي الآن طالبة في كلية الآداب" هذا النوع من الروايات يطرح التحديات التي تواجه المستضعفين أو المهمشين في المجتمع، وكيف تمكنوا من التغلب عليها أو الضياع والانهيار بسببها".
وجهة نظر نادية التي تبدو هي للأغلبية تؤكد أن الرواية من هذا النوع، تحديداً، تعطي صوتاً لتجربة واقعية مهمشة، على الرغم من أن الرواية عموما لديها عالم خاص بها، والتجارب الواقعية لشخصيات موجودة بالفعل بحياتنا اليومية، ومن الممكن أن نلتقي بها في أي زمان ومكان وغالبا ما يتم نسيانها أو تجاهلها لصالح أفكار مشبعة بالقمع والإقصاء والاضطهاد. 
وحتى سجاد حيدر الذي يدير مكتبة في بغداد، يرى أن رغبته في متابعة هذا النوع من الروايات يحفزه لمعرفة ما يجري في العالم من حولنا، ويقول إنها" تطلعه، كما غيره، على الحياة البائسة التي تعيش فيها الطبقات المهمشة، وكيف أن العالم غير قادر على حل مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية". 
سجاد يجزم أن هذا النوع من الروايات يفضح الهياكل الفوقية التي تهتم في الواقع المجتمعي على تشويه هويات الشخصيات المهمشة بتركزها على الجنس والبنية الأسرية وغير ذلك.
تحضرني هنا مقولة الروائي، فرانك هربرت،"لم يُخلق الناس سواسية، وهذا هو أصل فساد المجتمع"، هذه المقولة التي تأخذنا إلى حد بعيد للتهميش والوجود، وكيف أن أكون مهمشة لا يعني بالضرورة أن أكون غير موجودة، لأنني جزء من شيء أكبر، وهو المجتمع الذي –عادة- ما يكون فيه الناس مقسمين وفقاً لطبقات وثقافات، وبالمثل، فإن أدب الهامش، يتعامل مع أبطال حقيقتهم مهمشة في العالم ومستبعدة عن نيل حقوقها الأساسية مع التأكيد على عزلها، أو اقصائها.
هؤلاء القراء أنفسهم قد يكونوا من الشخصيات المهمشة في المجتمع أو لديهم مشاعر بالإقصاء والاستبعاد
بالإضافة إلى ذلكوجود عنصر مهم يجمع هذه الشريحة من القراء الذين يفضلون هذا النوع من الروايات يتعلق برغبتهم في إيجاد حل لمعاناتهم،أو لمواجهة الشعور بالتهميش.
فالشاب هادي كريم، وهو خريج جامعة آداب، حاول تدوين أبطال الروايات التي يرى شخصياتها في واقعنا الذي نعيشه مهمشة بدفتر صغير يحتفظ فيه لكتابة الملاحظات بينما هو شخص –قد نراه بسيطاً- وبعيداً عن العالم الأدبي أو الكتابة، ويقول إنه"يحرص على تدوين ملاحظاته عن أبطال الروايات تحديداً، كرغبة في معرفة النظرة الإنسانية، وكذلك الصمت الذي من الممكن أن يُسمع".