الثقافات، خاصة، إذا كانت مختلفة جداً عن حياتنا اليوم، تبوح بالكثير من الأفعال المتناقضة التي تشرح بوضوح أكثر، الأساليب التي قد تمّ إلغاء معظمها منذ قرون، ولكنّها تمارس الآن رغم تحول توجهاتها، فقط، لإثبات تميّز المرأة عن غيرها من النساء.
ما يشغلني، هنا، ليس كيف تغير تاريخ جسد المرأة من التعذيب أو العقاب إلى إظهار الجمال، ولكن كيف يمكن أن ندرك أن هناك ازدواجية أو ثنائيّة بذات المرأة نفسها، حيث كان الفعل الأول تعذيبا
ً والآخر تجميلاً.
لطالما تفاخرت النساء بمظاهر الأنوثة والجمال، وبالتطورات التي أحدثتها الجراحات التجميلية في أشكالهن. لكن عند اكتشاف أن ما يسهم اليوم في تفاخرهن هذا، كان في السابق من ضمن اساليب قانونية وقضائية مارسها الرجال قبل (٥٠٠) عاماً، لتعذيب النساء وإذلالهن، عبر استخدام (مشدات الجسم – الكورسيهات لتقيد التنفّس، وتشويه الخصر، ولضمور عضلات الظهر، وكذلك قص الشعر تعبيراً عن نفاذ تأثيرها الانثوي، وغير ذلك من عمليات جراحية لتشويه الشكل كتغيير الأنف والاقدام والاثداء).. فهل ستسقط يا ترى رغبتهن في مواصلة الجمال الذي يبدو تحرراً
من اهتماماتهن؟
تحضرني، الآن، مقولة الفيلسوف الفرنسي جورج باطاي “العالم محض محاكاة، بمعنى آخر، كلّ ما هو مرئي محاكاة لآخر، أو هو الشيء ذاته بشكل مخادع».. هذه المحاكاة أو هذا الترابط هو نقطة تتعلق بثقافة المرأة، لأنّ تغيير الممارسات أو تحويلها يعني التحكّم فيها، والتحكّم يعتمد –برأيي- هنا على المكافآت
والعقوبات.
يبدو أنّ عمق هذا الترابط، ليس في تعذيب أو إذلال ولا تحرّر أو حداثة، بل في الثقافة كعملية بيولوجية للمرأة، حيث التماهي بين العقوبة والمكافأة، تماهٍ مشروط، كأنّ التغيّرات تجعلنا نفكر في فعلين: الاول تكوّن من خطابات أخلاقية وقيم اجتماعية وفلسفات- حين ينظر للعقاب كوسيلة لردع الخطأ والجريمة، والثاني كفعل حداثي
تحرري ثقافي.
حقيقة، لا تستطيع المرأة أن تدرك ذلك وهي محاصرة بهذا الكم الهائل من إعلانات الجمال المثالي والمظهر، كجراحات التجميل، وما يناسب جسدها يوماً بيوم، إرشادات ونصائح تقول لها ماذا ترتدين، وماهي معدلات زيادة وزنك أو نقصانه، والأكثر من ذلك، تحذيرات من الكوارث التي من الممكن أن تمر بها وهي تجرّب الحصول على جمالها المثالي، من فشل جراحة إلى مضاعفات، إلى احتمالات تشوه جسدها
أو وجهها.
إذا قارنا بين الفعلين، فقد نجد أن تعذيب جسد المرأة لحظة عنف ظاهرة، بينما التجميل يخص داخل المرأة رغم اعتماده الخارج، لكنّها هنا لا تتفادى سياقها الثقافي المثقل بالجمال المثالي والمظهر، لأن طاقة الأشياء تتبع أنماطاً تخص الثقافة، وعندما نسخّرها نحو توجه معين أو حاجة يولد التقييد الذي نرضخ له، وكأنّه محاولة لرفضه في اللحظة
نفسها.
من هنا تبدو ازدواجية أو ثنائيّة ذات المرأة، ليست تدريباً لانتمائها العصري الجديد بالضرورة بل هو دفاعها عن المظهر الثقافي، عبر تخريب العلاقة بين الماضي والحاضر، التعذيب والتجميل، فتغير شكل أنفها هنا أو هناك، ماهي إلّا محالات لمحو جزء ما من تاريخ
جسدها.