إيران تجري مناورات دفاعية جوية كبرى
قضايا عربية ودولية
2019/11/23
+A
-A
توم أوكونر/عن مجلة نيوزويك ترجمة : انيس الصفار
في خضم قلاقل اقليمية واقتراب سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية من سواحلها أطلقت إيران يوم الخميس الماضي مناورات عسكرية واسعة النطاق في الدفاع الجوي تحاكي عملية تصد لغزو جوي محتمل. على هامش هذه المناورات المشتركة، التي اطلق عليها اسم “المدافعون عن سماء الولاية 98”، تحدث عميد الدفاع الجوي في الجيش الإيراني علي رضا صباحي فرد يوم الخميس مبيناً أن المناورات تجرى على رقعة تبلغ 416 ألف كيلومتر مربع تقريباً، وهي تقارب مساحة ولاية كاليفورنيا، يقع معظمها في الجزء الشمالي من محافظة سمنان. قال العميد أن القوات الإيرانية سوف تمارس مناوراتها تحت اقسى ما يمكن ان تكون عليه ظروف المعركة الحقيقية في محاكاة لأوضاع مجابهة تقع في الخليج، وخصوصاً مضيق هرمز الذي يعد أهم نقطة اختناق نفطي.
قال صباحي فرد: “انصح الأعداء بألا يحاولوا اختبار قوتنا، لأنهم لو قاموا بمثل هذا ودخلوا سماء الجمهورية الاسلامية الإيرانية فإنهم لن يتمكنوا من تحقيق شيء سوى اذلال انفسهم، مثلما أريناهم في الماضي.” ونبه فرد الى أن قواته سوف تنزل الى الميدان أنظمة على أرقى المستويات وأرفعها تطوراً في العالم.
مضى صباحي فرد مستطرداً: “إذا كان العدو ينوي غزونا أو مهاجمتنا أو حتى انتهاك حرمة سمائنا، وهي كلها خطوط حمراء،
فسوف نتعامل معه”.
للولايات المتحدة تاريخ طويل ملبّد مع إيران في منطقة الخليج. ففي العام 1988 شهد البلد ما كان أفجع حادثة الى يومنا حين اسقطت السفينة الحربية الأميركية “يو أس أس فنسنس” طائرة خطوط جوية مدنية إيرانية تحمل اسم الرحلة 655، وأسفر الحادث عن مقتل جميع من كان على متنها وعددهم 290 راكباً. بعد ذلك خفت حدة النزاع بين الطرفين لفترة قصيرة بتوقيع الاتفاقية النووية في العام 2015، ولكن قرار الرئيس “دونالد ترامب” بالتخلي عن تلك الصفقة وإعادة فرض العقوبات ادى الى تجدد اجواء القلق في مياه
هذه المنطقة الحساسة.
بعد وصول الجنود الأميركيين التابعين لقوة قوامها 3000 عنصر، وفقاً للتقارير، الى السعودية كجزء من محاولات إدارة ترامب لردع إيران، دخلت حاملة الطائرات “يو أس أس ابراهام لنكولن” (وهي من فئة نمتز) عبر مضيق هرمز خلال هذا الاسبوع لأول مرة منذ وصولها الى المنطقة في شهر أيار.
في الماضي حدث مثل هذا التزامن بين دخول حاملة طائرات أميركية الى الخليج وقيام الإيرانيين بمناورات عسكرية واسعة حين دخلت حاملة الطائرات الأميركية الكبرى “يو أس أس جون سي ستينز” العاملة بالطاقة النووية (وهي ايضاً من فئة نمتز) الى المنطقة في شهر كانون الأول في خضم المناورات الإيرانية التي اطلق عليها اسم “النبي الأعظم”.
خلال الاشهر التي أعقبت توجيه ترامب أحدث أوامره بنشر القوات اتهمت الولايات المتحدة إيران بارتكاب اعمال تخريب اصابت ناقلات نفط قرب خليج عمان والقيام بعمليات تضمنت استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة بلا طيار ضد منشآت النفط التابعة للمملكة السعودية خصم إيران اللدود في المنطقة. إلا ان طهران نفت تلك الاتهامات وسعت الى ترميم علاقاتها الاقليمية مع العالم العربي عموماً.
في الوقت ذاته واصلت إيران شحذ قدراتها العسكرية، لاسيما في مجال حماية الأجواء، حيث خلص تقرير حديث لوكالة استخبارات الدفاع الى أن ايران قد اعتمدت تشكيلة منوعة من صواريخ سام والانظمة الرادارية بقصد حماية المواقع الحساسة لديها من هجمات جوية تشنها عليها قوات متفوقة تكنولوجياً. كذلك انزلت الى الميدان انظمة من صواريخ سام والرادارات المطوّرة محلياً بهدف سد الفجوة في دفاعاتها الجوية،
على حد تعبير التقرير.
يمضي التقرير مبيناً أن إيران تعمل على تحديث انظمة دفاعها الجوي المتكاملة بإدخال وسائل جديدة تشمل رادارات للاستطلاع الجوي وصواريخ سام وانظمة للقيادة والتحكم والاتصال واجهزة كومبيوتر ووسائل لجمع المعلومات وانظمة للاستطلاع من طراز (C4ISR). وما أن يرفع الحظر على الاسلحة الذي تفرضه عليها الأمم المتحدة سوف تبادر طهران الى شراء طائرات مقاتلة متقدمة من الجيل الرابع. كذلك تعمل إيران على تطوير طائرات بلا طيار ذات قدرات أعلى للزج بها في ميدان المعركة، ومن ضمن ذلك منصات مسلحة، وفقاً للتقرير.
استخدمت إيران هذه الوسائل في ضربة ضمن اجوائها عندما اسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة تجسس أميركية بلا طيار من طراز “غلوبال هوك” فوق مضيق هرمز، وتفيد التقارير بأن تلك القوات استخدمت منظومة صواريخ أرض جو من طراز “خرداد 3”. هذه الحادثة قرّبت ترامب جداً من اصدار الأمر بتوجيه ضربات انتقامية ضد مواقع عسكرية ايرانية.
في وقت سابق من الشهر الحالي أسقطت إيران مرة اخرى ما وصفه صباحي فرد حينها بأنه طائرة “غريبة” بلا طيار انتهكت سماء مهاشهر، ولكن القيادة المركزية الأميركية نفت في تصريح اصدرته بعد الحادثة بوقت قصير ان تلك الطائرة عائدة للأميركيين. رغم هذا واصل البنتاغون رفع مستوى حضوره في المنطقة، الأمر الذي دعا إيران الى اتخاذ اقصى درجات التأهب لحين انقشاع اجواء العداء الجيوسياسي هذا.
تأتي المناورات الجارية الآن في وقت يشهد فيه البلد ودول حليفة له توترات متصاعدة واعمال عنف تندلع. فقد هزت الاحتجاجات الشديدة التي اجتاحت الأمة إيران وشركاءها العرب في المنطقة، حيث استهدف المتظاهرون الفساد الحكومي وتبعاته الاقتصادية الوخيمة، كما تعرضت القوات التي لها علاقات بطهران لضربات متكررة من جانب اسرائيل، العدو اللدود لإيران.
احدى العمليات الاسرائيلية التي كانت مؤثرة بشكل خاص استهدفت يوم الأربعاء الماضي أوثق حليف لإيران في المنطقة وهي سوريا. فبعد يوم واحد من تحميل اسرائيل القوات الإيرانية المرابطة في سوريا مسؤولية اطلاق صواريخ على هضبة الجولان المحتلة شنت اسرائيل ما وصفته بـ “ضربات واسعة النطاق على قوات القدس الإيرانية والقوات
المسلحة السورية”.
أفادت وسائل الاعلام السورية الرسمية بأن الدفاعات الجوية قد اعترضت معظم “الأهداف المعادية”، ولكن بعضها المتبقي سبب اضراراً في منازل كما ادى الى قتل اثنين من المدنيين وجرح آخرين. كما جاء في تقرير المرصد السوري لحقوق الانسان، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، أن نحو 21 شخصاً قد قتلوا من بينهم خمسة جنود سوريين وأفراد من فيلق القدس التابع للحرس الثوري وآخرون تابعون لمليشيات حليفة معظمهم غير سوريين.
وقد أكد مراقب سوري وثيق الاطلاع على الاوضاع مقتل الجنود السوريين الخمسة بالاضافة الى اثنين من المدنيين، كما أمد مجلة نيوزويك باسماء وصور للضحايا. قال هذا المصدر ان احد مقاتلي حزب الله اصيب ايضاً بجروح في العملية وبين أن المواقع الايرانية كانت قد اخليت ساعة وقوع
الهجوم الاسرائيلي.