شاكر السماوي.. جماليات التجديد في الشعر

ثقافة شعبية 2019/11/24
...

جاسم عاصي
 
 
صدر للشاعر والناقد (ريسان الخزعلي) كتاب تحت عنوان (تقاسيم العشكَ والجرح/شاكر السماوي/ جماليات التجديد في الشعر الشعبي العراقي). وهو كتاب غير معني بالتوثيق لحياة الشاعر السماوي فحسب، وإنما تضمن نسقاً نقدياً وتصنيفاً منهجياً لتجربة الشاعر، وتحليل قصائده وجمالياتها. لقد انطلق الناقد الخزعلي من متن السيرة الذاتية للشاعر، ومتن آرائه في الحياة والثقافة والسياسة والفكر بشكل عام، باتجاه ترصين التجربة الشعريَّة. فهو وكما عرفناه شاعر مثقف، وذو وعي صاعد بكل ما يمت الوجود وما يمده بالنسغ الصاعد والنازل ونقصد به النسغ المعرفي المعتمد على صيرورة الاجتهاد وتصعيد المواقف ضمن الأزمنة والأمكنة. إنه شاعر ملتزم حياتياً، ومتشبث بمبدأ تصعيد التجربة، عبر وعي تجارب شعراء سبقوه وجايلوه، ومن لحق زمنياً وتجربة إلى ما بعد تجاربهم كجيل رصن القصيدة الشعبية، ابتداءً من تجربة الشاعر الحاج زاير ومجايليه، والنواب ومدرسته، وتجارب كل من (عزيز السماوي، زامل سعيد الفتاح، عريان لسيد خلف، كاظم اسماعيل الكَاطع) وغيرهم، كذلك تجارب الشباب كحامد العبيدي مثلاً ونثرياته الشعريَّة
 الشعبيَّة.
ابتدأ بتأملات الشعر، ذات المحمولات الشعريَّة والجمالية. وهي نوعٌ من الاجتهادات في كتابة القصيدة، وعكس الرؤى الشعريَّة من مثل تصريحاته الأقرب إلى النمط الفلسفي: (الوجود نصفا دائرة يضيقان ويتسعان بتناسب عكسي)/ (قد يكون الفراغ هو روح الوجود وربما سرّه)/ (اللغة كموسيقى العقل، والعقل موسيقى الحس والحس موسيقى الجسد، والجسد هو الدفتر الذي عليه وبه تتهيكل
 كل النوتات). 
هذه التعبيرات دالة على عمق وجهات النظر عند الشاعر، وقد عكسها في قصائده الكونية والسياسية، منطلقاً من توظيف الرموز المتعددة في صيرورتها كما ذكر الناقد وهو يشخص مستوى الرمز في شعر السماوي لقد أكد أنَّ شعر السماوي قد (تطور وفق انشغاله الفكري والذهني والروحي) حيث تخلصت قصائده من تأثير الآخر، خاصة (الحاج زاير) كما أنه أفلت من نمط شرارة التجربة النوابية؛ على حد تعبير الناقد.
أما بصدد الرمز الذي تداخل مع شعر السماوي، فقد كان مشتقاً من التاريخ والحراك السياسي، إذ حفل شعره بالرموز كـ (الحلاج، جيفارا) مثلاً. وكما ذكر الناقد من أنه استفاد من (ظاهرة استخدام الرموز وعلى شتى أصنافها كالرموز الميثيولوجية والوطنية والفكرية والقومية والفولكلورية المستقاة من القصص الديني والتراث العالمي).
ولعله وظفها على مغايرة من بين الشعراء الآخرين، أي أنه أول من استخدم الموروث التاريخي.. كما ذكر الناقد (سعدي السماوي عن مؤلف الكتاب. وقد أكد المؤلف على مثل هذا الفعل الإبداعي عند الشاعر في قصائده، كون (الرمز عنده لا يستهلك الحزن. الرمز ليس
تجريداً.
 إنه تحقيق لفعل استحضار الماضي والحاضر للتفاؤل بالمستقبل) ولعلَّ تساؤل الناقد هو تساؤلنا حول رموز الشاعر التي تشكلت في القصيدة بكيفيات متعددة كـ (تموز، الحلاج، الخضر، زينب، حمدان، المختار، حرّاء، قيس، ليلى، جبريل، مهيار، علي، صفين، روما، روبسبير، كومونة باريس, اكتوبر، ذر الغفاري، الكوفة، كربلاء، الحمزة، المتنبي، الحسين، هولاكو وغيرهم). هذه الرموز وردت في شعره لتعميق الدلالة عن هموم مرحلته التاريخية. وهي رموز أضافت للتعبير الشعري عمقاً وجمالية
خاصة.
إنَّ الكتاب الذي شمل تجربة الشاعر شاكر السماوي، تضمن تجارب شعراء غيره مقارنة مع تجربته سيبقى وثيقة مهمة، ومصدراً لكل من يحاول البحث في تاريخ الشعر الشعبي العراقي، لأنه اغتنى بالكثير من التداولات، خصوصاً ما ختمه بعيّنات من شعر السماوي، منتقاة بدقة تخص مراحل تجربته الشعرية، إنه قدم ليس أهم قصائده، وبل قدم ما يُعزز كل فقرة من فصول الكتاب المهمة والدقيقة.