ازدياد انتحار الرجال في روسيا.. حالة لها مسبباتها

بانوراما 2019/11/25
...

جيمس واتكنز
ترجمة: بهاء سلمان
تعمل حالات الإحباط واضطراب المزاج والانتحار على التسبب بحسرات متساوية في كل أسرة أو مجتمع مبتلى بها حول العالم بأسره. لكن في روسيا وبعض الدول الأخرى التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق وشرق أوروبا، تؤثر حالات الانتحار بشكل غير متناسب في نصف أعداد السكان.وبحسب فروع منظمة الصحة الدولية في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ولاتفيا وبولندا وكازاخستان، يرتفع معدل الانتحار بست مرات بالنسبة للرجال عن النساء.
 
وليست الدول الأخرى في الاتحاد السوفييتي السابق بعيدة عن هذا الواقع، إذ  يتجاوز معدل انتحار الذكور عن نظيره لدى الاناث بنسبة تتراوح بين 5,5 الى ضعف واحد في استونيا وليتوانيا وهنغاريا وسلوفاكيا 
وقيرغستان. 
ويعد حدوث مثل هذه المعدلات المرتفعة لانتحار الذكور في هذه الدول أمرا فريدا من نوعه بالمستوى العالمي؛ إذ يعزى وجود عدم توازن شديد بين الجنسين في خمس دول أخرى، بضمنها السعودية وعمان وبيليز، الى انخفاض الوفيات جراء الانتحار نسبيا لكل من الرجال والنساء.
وتعد معدلات الانتحار في هذه الدول السوفييتية السابقة الست مرتفعة بشكل مثير للهلع، إذ يموت 36 فردا من كل مئة ألف رجل كل سنة في روسيا، وهو مايقرب من ثلاثة أضعاف المعدل العالمي؛ أما معدلات الانتحار للنساء في هذه الدول الستة، فلم يعبر حتى الدول الأربعين الأعلى على مستوى 
العالم.
 
أسباب عميقة
في الحقيقة، جميع الدول تقريبا لديها معدلات انتحار أعلى للرجال من النساء، ولو بدرجة أقل. تقول اليكساندرا فلايشمان، الطبيبة العاملة لدى برنامج النقطة المحورية لمنع الانتحار التابعة لمنظمة الصحة العالمية: "يعد الانتحار ظاهرة معقدة، ولا توجد اجابة واحدة شافية تغطي الموضوع برمته. 
الا أنه من المرجح أن التفاوت بين الجنسين في دول كثيرة مرتبط بحقيقة كون الرجال لديهم امكانية الوصول المباشر، بشكل أكبر من النساء، الى وسائل أكثر فتكا، مثل الأسلحة النارية أو المبيدات الحشرية في المناطق 
الزراعية."
وربما يلعب التأريخ الحديث العنيف للاتحاد السوفييتي السابق دورا في مسألة زيادة انتحار الرجال، بحسب ما يقول ويليام اليكس برايدمور، عميد كلية العدالة الجنائية في جامعة ولاية نيويورك بمدينة الباني الأميركية؛ إذ من الممكن أن يسهم ذلك في "توقعات كئيبة للمستقبل"، إضافة الى تقييد تنمية المؤسسات العائلية والتعليمية والدينية والمدنية القوية لتعزيز المجتمع والرفاهية الاجتماعية. بالفعل، فقد هبطت معدلات الانتحار عبر المنطقة عبر العقود القليلة الماضية كنتيجة لتحسن مؤشرات اجتماعية اقتصادية 
متعددة.
بيد أن الأمر لا يتعلق فقط بإرث تهاوي الشيوعية، فالبحث الذي أجراه برايدمور يقترح أن معدلات الانتحار كانت مرتفعة في الفترة التي سبقت الثورة الروسية. 
علاوة على ذلك، هناك عدة دول أخرى كانت من ضمن المجموعة السوفييتية لا تظهر في هذا الانموذج، كما تعاني الكثير من أجزاء أخرى في العالم من مجتمعات ممزقة اجتماعيا واقتصاديا بدون أن تشهد زيادات مصاحبة في معدلات الانتحار، موحية بذلك الى أن العوامل الثقافية ربما تكون ذات أهمية 
قصوى.
 
لعنة الخمر
يقول برايدمور: "يظهر أن الكحول يلعب دورا مهما في روسيا والدول السوفييتية الأخرى،" فالرجال ضمن هذه الدول عرضة لإحتساء المشروبات الروحية بمعدلات عالية، وخصوصا الفودكا، إذ من الممكن أن ينتج من هذه المشروبات حالات تسمم سريعة وعميقة، بحسب ما لاحظ برايدمور؛ الأمر الذي يجعل الناس أكثر عرضة للتصرف وفقا للأفكار الانتحارية، الى جانب مساهمتها بشكل غير مباشر بشؤون الصحة العقلية المرتبطة بالصعوبات الاقتصادية والعنف الأسري والانفصال العائلي. ويقدر بارتباط ما نسبته 22 بالمئة من الوفيات العالمية جراء الانتحار بالكحول، بحسب ما توصلت اليه فلايشمان من منظمة الصحة العالمية.ومع علمنا بجميع العوامل التي تسهم في معدلات الانتحار، فمن الصعب حقا معرفة ما جعل الرجال الروس ومواطني الدول السوفييتية الأخرى في المنطقة، ولمدة طويلة، يقدمون على ازهاق أرواحهم وبهذه الأعداد المخيفة. 
يقول برايدمور: "ينبغي إجراء المزيد من البحوث، فهو أمر ضروري". وتظهر مراجعة البحوث من قبل موقع "عالمنا من خلال البيانات"، كيف أن كل شيء من معدلات حيازة السلاح الى قوانين الطلاق والى أنماط ضوء النهار له أثر بالغ على انتشار حالات الانتحار.وهناك العديد من الأمثلة على "ستراتيجيات فاعلة لمنع الانتحار"، بحسب قول فلايشمان، مثل توفير وسائل الوصول الى خدمات الرعاية العقلية وسياسات توزيع الخمور والتقارير الاعلامية الرصينة، فكل هذه الأمور بمقدورها المساعدة في تخفيض معدلات الانتحار في روسيا والدول الأخرى من دول الاتحاد السوفييتي السابق.
مجلة أوزي الاميركية