سعد صاحب
حال العاشق الذائب في الحب ، مثل المتصوف الهائم في الصحراء ، تارة يسلك الدروب الآمنة ، وتارة يسير في طريق الخطر ، وهو في كل الاحوال لا يعرف سوى جهة واحدة ، هي الوصول بكل طريقة مهما كانت قاسية الى المحبوب . وما عدا ذلك فان العزلة اغلى صديق لديه ، وكل الخلق يدورون من حوله كالغرباء ، ولا يجد بهم في ساعة البلوى انيسا ، ولا يبالي بمن تباعد او تنكر او خان او نأى .
وجد
لا شيء سوى وجه الحبيب يسكن في الخيال ، يطوف في الدماء والدماغ والقلب ، وكم من عاشق تاب من الوجد ، واضاع توبته وعاد لمن يهوى يمشي على النار ، وهذا الدوران السرمدي اورثه المواجع ، فلا راحة في القرب والبعد ولا في الوصال ولا في
الخصام .
( يفر بيه هوه المحبوب يا يمه / يفر بيه ونه الما توب يا
يمه ).
معجزات
هامل نفسه الشقية منفردة تقاوم عذاباتها ، وعشق الذات لا يفكر به ابدا ، يسأل الرياح عنه والاعاصير والغابات والبروق ، يفكر في سعادته وبالفرح الذي يجلبه من عالم
المعجزات .
يجن ويدخل المشافي ويشرب الكثير من الدواء ، وهل يتشافى المجنون من داء العشق الذي اهلك الدراويش والامراء والمجاذيب
والملوك .
حب لا فكاك منه ولا خلاص ، هكذا انه بمعول يدمر الجسد ويطلق الروح ، ويدعي الجنون ذلك السيد
المهذب العاقل ، ويبتهج لكثرة
الملام ، لان اللوم يوقد نار الاشواق المختبئة تحت الرماد . والبلوى سعادة العاشقين ، والنار ثلج
على الحشا ، وضرب السيوف اهون من ليالي الفراق
المريرة .
( يا عيني ويا عيني
وعليه انشد / يا عيني ويا
عيني ولون يبعد / ونه بلياه / عرفت الآه / زماني ودمعة عيوني / هلي والناس لاموني / ونه وكلبي على
الهجران ما بيه / تظل روحي بليالي
الشوك منسية ).
تقوى
الدرويش يطوي الفيافي بلا ماء بلا زاد ، وليس في جعبته سوى الايمان والتقوى والاخلاص والولاء ، الى ذلك المطلق حد التفاني . ماشيا في الطريق المغلق بالمنايا والاحجار والحيوانات المفترسة . والاختيار الصعب يبقى بمواصلة الدرب الموحش المهجور، وان الرجوع اشبه ما يكون بالتنازل ، اذا لابد من شد الخطى ، لمواصلة المسير مهما تكون النتائج . لا يطمح المجذوب
الا بالوصل وهو جائزة الصوفي الكبرى ، واذا تم التلاقي مع المحبوب ، فلا تخيفه اساطير الساحرات ولا بحار الجحيم المتلاطمة الامواج ، اما اذا كان الهجر جزاء الموالي ، فكل شيء في هذا الوجود
خراب .
( انه بيا حال /صرت رحال / جذب من كال مليتك / وارد ردود / بلايه وعود / درب مسدود ومشيتك / وانه وكلبي على الهجران ما بيه ).
غفران
المحبة طريق العاشقين الاوفياء ، والصبر عند الضيق تزكية من الذنوب ، وعالم من الغفران والتسامح والرجاء . هائم في المفازات البعيدة ، يقوده الهوى العرفاني بلا راي ولا خيار ، وكاتم الاسقام لا يمل من صداقة الاوجاع ، ولا يحن الى لحظة من الفرح المزيف .الشاعر يرجع الى الدنيوي حينما يخطىء في الحساب ، ويفتقد موهبة الفراسة في تحديد المسار ، هي ادانة واضحة لواقع عقيم ، عاش في اتونه محترقا بلا جدوى ، الارض ندم وعتاب وملامة ، والسماء تخاطر ونبل وحقيقة وارادة
واستشفاف .
( صبرت هواي / ونه بلا راي / الحزن يا ناس موالي / حسبت حساب / طلع جذاب / ندم وعتاب يبرالي / ونه وكلبي على الهجران ما بيه ).