{نزوات} ترامب تسبب عدم الاستقرار للشرق الأوسط

بانوراما 2019/11/29
...

آندرو انغلاند
ترجمة: ليندا أدور
اعتقدت القوى العربية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيثبت بأنه حليف قوي يمكن الاعتماد عليه، لكن ظنهم قد خاب بعد اتباعه لسياسات غير متوقعة.
لقد كانت نهاية غير مشرفة للتحالف في معركة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الارهابي، بعد انسحاب القوات الأميركية بعربات مصفحة من بلدات الشمال الشرقي لسوريا متجهة شرقا نحو العراق، تعرضت خلالها للرمي من قبل أكراد سوريا الغاضبين بالحجارة والخضراوات الفاسدة وشتائم لجنودها المغادرين.
فك الارتباط
أجبرت حركة السير احدى العربات على الرجوع الى أحد شوارع مدينة القامشلي، شرقي سوريا، ما أثار تساؤل أحد المارة وهو ينظر اليها: “ما الذي أصاب أميركا؟”، وهذا سؤال يطرحه الكثير من سكان منطقة الشرق الأوسط. فقرار الرئيس ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من الحدود السورية، ممهدا الطريق لشن الهجوم التركي ضد القوات الكردية التي سبق وأن سلحتها الولايات المتحدة ودربتها على محاربة داعش، يمنح الانطباع بأنه يعد فكا للارتباط الأميركي البطيء من المنطقة.
يشير المحللون الى أن الكثير من القوى العربية كالسعودية والإمارات ومصر، اللواتي طالما عدت واشنطن حليفا قويا لها، أدانت الهجوم العسكري التركي كونه “عدوانا” على دولة عربية ذات سيادة. ولم يكن مصير الأكراد هو ما يهمهم، لكن ما يخشونه هو ما يبدر من تصرفات غير متوقعة من ترامب، وشعورهم  بالقلق من ان تؤدي تلك القرارات الى تقوية دور ايران المنافسة القوية لهم، بعد ان حصلت على موطئ قدم لها في قلب المنطقة بدعمها الرئيس السوري بشار الأسد. وتسبب ذلك بخلق حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين في المنطقة المتزامن مع توترات عالية تشهدها بين الولايات المتحدة وايران، المسألة تكمن في إن كان لا يزال بالامكان النظر الى واشنطن كحليف يعتمد عليه، وهل إن ترامب الذي يعارض التدخلات العسكرية المكلفة، سيكون حاضرا في حال نشبت الحرب هناك؟
 
تزامن رمزي
يشير أحد الدبلوماسيين العرب قائلا: “ان الناس تشعر بخيبة أمل من الولايات المتحدة، لأن الحقيقة هي أن ترامب مؤيد لأسرائيل ولا يستجيب للقضايا العربية ما لم تكن مقابل حصوله على أموال” مضيفا، “ستكون هناك تداعيات على فك الارتباط الأميركي البطيء من المنطقة، ستملأه جهات أخرى”. سبق لترامب وأن اعلن عن إعادة إرساله لقوات أميركية الى الشمال الشرقي السوري لحماية آبار النفط هناك، وهو النصر الذي حققه بمقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، لكن من غير المرجح أن تسهم تلك التحركات بتبديد مخاوف أكبر، اذ لطالما كانت الولايات المتحدة هي القوة الأجنبية المهيمنة على الشرق الأوسط الغني بالنفط، عسكريا وسياسيا. لكن هناك حديث متجدد يدور حول كيف يفتح تحرك واشنطن البعيد عن المنطقة الباب لتدخل منه روسيا.  
لقد أبدى الكرملين دعمه للأسد، وحظي بسيطرة على القواعد الجوية والبحرية السورية، اشرف على وساطة مع تركيا، تتيح للقوات التركية والروسية القيام بدوريات مشتركة في المناطق التي انسحبت منها القوات الأميركية، كما عملت موسكو على تعزيز علاقاتها مع السعودية والامارات، الحليفين العرب الأقرب لأميركا بمنطقة الخليج. هناك تزامن رمزي يدل على ديناميكيات متغيرة، ففي الوقت الذي حظي بوتين باستقبال ملكي باذخ في الرياض وأبوظبي منتصف تشرين الأول الماضي، كان ترامب يواجه غضب الكونغرس الذي تسبب به قرار سحبه لقوات بلاده من سوريا. يقول عبدالخالق عبدالله، المعلق الإماراتي، بأنه: “في حال قررت أميركا ان تدير ظهرها لنا وللخليج وللشرق الأوسط بنحو أوسع، ستكون قد حركت فكرة أن ندير نحن ظهرنا لها” مضيفا، “لو كان الوجود الأميركي قليلا، أقل من 10 بالمئة، سيكون هناك فراغ وهناك من سيملأه”.
يرى آخرون ان هناك ديناميكية أخرى تطورت مع تصرفات ترامب، وبشكل خاص، تردده باستخدام القوة العسكرية ضد ايران، وهذا ما زاد من جرأة الجانب المتشدد في طهران، وباتت دول منطقة الخليج تشعر بأنها عرضة لهجوم ايراني محتمل، أو من وكلائها أكثر من أي وقت 
مضى. 
يقول المحللون ان هذا ما دفع الرياض وأبوظبي، في النهاية، الى البحث عن طرق دبلوماسية للتواصل مع طهران لتجنب نشوب النزاع، أرسلت على إثره الامارات أول وفد بحري الى ايران، وهي اول محادثات من نوعها منذ ست سنوات. أما السعودية، فقد أظهرت إشارات أكثر جدية نحو أنهاء الصراع في اليمن، في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها منشآتها النفطية خلال أيلول الماضي، لتعقد، كما أشار مسؤولون غربيون، محادثات سرية مع الحوثيين. 
 
أقصى ضغط
يدور النقاش حول الانسحاب الأميركي من المنطقة منذ عقد من الزمان، وقد ألقى الثمن الباهظ لتدخلاتها في العراق وأفغانستان ضغطا كبيرا على واشنطن. يقول روبرت فورد، دبلوماسي أميركي سابق بأن: “الوقت الذي كانت فيه أميركا هي وحدها المؤثرة في الشرق الأوسط قد انتهى”. بالنسبة للكثيرين في المنطقة، كان يفترض أن يبدو ترامب مختلفا، منذ عامين مضت، تقرب للحكام العرب عندما اختار السعودية  لتكون محطته الخارجية الأولى كرئيس، بعدها بعام، غادر الاتفاق النووي، وبدأ بفرض عقوبات وصفت على إنها “الأصعب” على ايران، لكن اندفاعه واسلوب تعامله مع الأمور قد أثار الشك من جديد في المنطقة. لجأ الى اعتماد ستراتيجية “أقصى ضغط” في المنطقة، وهو ما زاد من التوتر في الخليج. 
أما السير جون سوريز، مدير الاستخبارات البريطانية MI16 السابق، يقول، لم يسمع من قبل عن تعرض حليف قوي للولايات المتحدة لهجوم صاروخي وطائرات من دون طيار، دون أن يقابل برد عسكري”، مضيفا، “لم يعد ينظر للولايات المتحدة على انها ترغب أن تكون المؤثرة، فقد حلت محلها، الى حد ما، روسيا وبوتين، وان العديد من الدول أيقنت بأن عليها ترتيب علاقاتها لكن ليس من خلال آلية سمسرة واشنطن.
يشير مسؤول مطلع على طريقة التفكير السعودية، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لترامب بأنها قد تكون فيها تقلبات كبيرة، فضلا عن تعامله مع كل بلد بشكل مختلف تماما عن البلد المجاور له، “في الوقت الحاضر” نشعر بالراحة، لكن قد يبدو من السذاجة أن لا نقلق من أنه يمكن أن يغير رأيه سريعا”. يشير المسؤول بقوله: “لم تعد الأمور كما كانت أيام الحرب الباردة، عندما كان عليك أن تختار طرفا للوقوف الى صفه, ولا اعتقد اننا نقوم باختيار حلفاء جدد، لكننا نستمع لهم، غير إننا بحاجة لأن تكون لدينا خيارات”.
يقول هشام يوسف، الدبلوماسي المصري السابق، وعضو معهد السلام الأميركي: “تملك المنطقة طرقها الخاصة بفرض نفسها على المشهد الدولي، وان أرادت أميركا فك ارتباطها منه، فلن تنجح في ذلك، وإنما ستعيدها مشاكل المنطقة ثانية اليها، ما يعني تخفيف التأثير الأميركي، لا إنهائه”.