توتر تركي – فرنسي قبيل قمة «الناتو»
قضايا عربية ودولية
2019/11/29
+A
-A
اسطنبول / فراس سعدون
يشهد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في الذكرى السبعين لتأسيسه، توترات وخلافات بين دوله الأعضاء تخيّم على قمة زعماء الدول المقرر عقدها، في لندن، يومي الثالث والرابع من كانون الأول. وعكست تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن «موت دماغي» للحلف، وما تبعها من رفض على لسان المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، وحلفاء آخرين، جانبا من التوترات والخلافات، في وقت زاد فيه ماكرون من نفض الغبار عند طاولة الأعضاء، قبل أن يجتمعوا، بتجديده انتقاد تركيا لشنها العملية العسكرية التي أسمتها «نبع السلام» في شمال شرق سوريا، من دون مراعاة مخاطرها على الحلفاء، وهو موقف استدعى ردود كبار المسؤولين في حكومة الرئيس، رجب طيب اردوغان، الذي يعتزم المشاركة في قمة لندن بأجندة تركز باستحصال الدعم السياسي للعملية العسكرية، وتمويل مشروع «المنطقة الآمنة».
وقال ماكرون في مقابلة نشرتها مجلة الإيكونوميست: «أحترم المصالح الأمنية لحليفنا التركي الذي تعرض لهجمات عديدة على أرضه»، مستدركا «لكن لا يمكنك من ناحية القول إننا حلفاء وتطلب التضامن في هذا الصدد، ومن ناحية أخرى تضع حلفاءك أمام الأمر الواقع المتمثل في عملية عسكرية تعرض للخطر أعمال التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي ينتمي إليه حلف شمال الأطلسي».
وتأتي تصريحات ماكرون مع جدولة قمة رباعية، على هامش قمة الحلف، من المقرر أن تجمعه باردوغان وميركل، فضلا عن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، لمناقشة الوضع شمال شرق سوريا.
وتحدث اردوغان في أكثر من مناسبة عن حق تركيا في الدفاع عن أمنها عبر شن عمليات عسكرية، أو تنويع مصادر الأسلحة لديها، ليدفع بذلك اعتراضات في «الناتو» على العملية العسكرية الأخيرة في سوريا، وشراء أنقرة لمنظومة الدفاع الصاروخية إس – 400 من موسكو الخصم التقليدي لواشنطن وعموم الحلف.
واستبق مسؤولون أتراك القمة الأطلسية بانتقادات للسياسات الأميركية إزاء أمن تركيا أيضا.
تكسير كؤوس الشاي
وانتقد ابراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، تصريحات الرئيس الفرنسي ضد تركيا، عبر إعادة نشره ما نقله ستيفن إرلنجر، كبير المراسلين الدبلوماسيين في أوروبا لصحيفة نيويورك تايمز، عمّا قالته ميركل لماكرون في حفل عشاء الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين.
وكتب كالن، في تغريدة على «تويتر»: «أتفهم رغبتك في السياسة التخريبية»، قالت السيدة ميركل. «لكني تعبت من التقاط القطع. مرارا وتكرارا، يجب علي أن أقوم بلصق الكؤوس التي كسرتها حتى يمكننا الجلوس معاً وتناول كوب من الشاي».
وأشاد كالن، في تغريدة سابقة، بمكانة تركيا في «الناتو»، حاثا الحلفاء على دعم ضمها لأوروبا، ومؤازرتها لمواجهة التهديدات.
وذكر المتحدث الرئاسي أن «تركيا عضو قوي في حلف «الناتو»، مع ثاني أكبر جيش فيه، وتريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كعضو كامل»، مضيفا «لكن يجب على الحلفاء أن يأخذوا التهديدات ضد الأمن القومي التركي بجدية، وأن يعملوا في شراكة للتغلب عليها».
حديث بلا صدى
وقلل مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، من أهمية تصريحات الرئيس الفرنسي.
وقال أوغلو، في تصريح صحفي: إن ما قاله ماكرون لن يجد صدى. وأضاف «بأي حال هو حامٍ للمنظمة الإرهابية (قسد / PKK) تتم استضافتهم في القصر الرئاسي الفرنسي باستمرار”، متابعا “ينبغي لماكرون إدراك أن تركيا حليف في شمال الأطلسي، وعليه أن يقف بجانب الحلفاء”.
واتهم الوزير التركي المسؤولين الفرنسيين بأنهم لا يدركون معنى تصريحاتهم، بعدما أصابتهم العملية العسكرية الأخيرة بخيبة أمل، جرّاء تقويضها خطة “تأسيس دولة إرهابية” في الشمال السوري.
وتصنف تركيا قوات سوريا الديمقراطية / وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية واحدة متعددة الذراع.
وردّ الوزير، في مؤتمر صحفي منفصل، على سؤال بشأن اعتراض أميركي يخص أمن تركيا داخل “الناتو”، بقوله “على “الناتو” التحرك لإزالة مخاوف جميع الحلفاء”، مردفا “ما هو مطلوب لمنطقة البلطيق يجب أن يطلب لنا أيضا”.
وأفادت وسائل إعلام تركية بأن أنقرة اشترطت دعم خطة “الناتو” للدفاع عن دول البلطيق وبولندا، في حال تعرضها لهجوم روسي، بدعم دول الحلف للعملية العسكرية التركية في سوريا.
وعلقّ أوغلو بأن اعتراض بعض الدول على إزالة المخاوف الأمنية لن يبقي “الناتو” متوحدا، في وقت تتخذ فيه قرارات الحلف بالإجماع.
وخطأ وزير الخارجية التركي استمرار الدعم الأميركي للوحدات الكردية والعمال الكردستاني من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب.
لا مبالاة بالأمن والاتفاقات
وانتقد مصطفى شنطوب، رئيس البرلمان التركي، عدم مبالاة الولايات المتحدة بأمن تركيا، وعدم التزامها، وكذلك روسيا، باتفاقي تعليق العملية العسكرية الأخيرة.
وأسفر الاتفاقان في أنقرة وسوتشي، خلال تشرين الأول، عن تعليق العملية العسكرية التركية، مقابل انسحاب “قسد” وحلفائها من المناطق الواقعة شرق نهر الفرات وغربه، تمهيدا لإنشاء منطقة آمنة هناك تطمح تركيا لجعلها موطنا جديدا لملايين السوريين من الموجودين على أراضيها منذ بداية الحرب السورية عام 2011. ومن المقرر أن يقترح الرئيس التركي، في قمة الأطلسي، عقد مؤتمر لتمويل مشروع بناء المنطقة الآمنة، وسط تقارير تركية عن أن تكلفة بناء منطقة لتوطين مليون لاجئ سوري لا تقل عن 27 مليار دولار.
وقال شنطوب، في مؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي بجيبوتي: إن “أميركا لم تفِ بوعودها من جانب، وتواصل، من جانب آخر، تحذير أنقرة من استخدام منظومة إس – 400. إنها تعمل على تنفيذ مخططاتها، ولا تبالي بأمن تركيا. بل تفكر، كما هي دوما، بمصالحها وحساباتها فقط”، مؤكدا أن “تركيا ومن دون النظر إلى اليمين أو اليسار ستتخذ كل خطوة تراها ضرورية لأمن شعبها ومنطقتها من دون تردد”.
ترحيل “دواعش” فرنسيين
وقررت السلطات التركية ترحيل 11 فرنسيا من عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى فرنسا مطلع كانون الأول، في خطوة تزامنت مع الردود الدبلوماسية على تصريحات ماكرون.
وقال سليمان صويلو، وزير الداخلية التركي، في ندوة بولاية إزمير عن الهجرة والأمن “نعمل على ترحيل 11 مواطنا فرنسيا من عناصر داعش مطلع كانون الأول إلى فرنسا”، كما أعلن العمل على ترحيل “دواعش” آخرين إلى بلجيكا وايرلندا.
وباشرت السلطات التركية في تشرين الثاني تنفيذ قرار ترحيل الإرهابيين الأجانب من الموجودين في سجونها إلى دولهم وإن أسقطت جنسياتهم.
وتواصل السلطات التركية غاراتها على أهداف داعش وخلاياه.
وأوردت وكالة الأنباء التركية الرسمية نبأ إلقاء القبض على 9 أجانب تربطهم صلات مع “داعش” الإرهابي.
ونقلت الوكالة عن مصادر أمنية قولها: إن قوة من مكافحة الإرهاب ألقت القبض على التسعة في العاصمة أنقرة، مضيفة أن النيابة العامة قررت توقيفهم لاستجوابهم.