تجديد الموسيقى العربية في مؤتمر القاهرة

الصفحة الاخيرة 2019/11/30
...

زياد هادي 
تحت رعاية الملك فؤاد الأول ملك مصر آنذاك، وقبل سبعة وثمانين عاماً عُقد في القاهرة أول مؤتمر دولي للموسيقى العربية.. حيثُ كان الغرض من المؤتمر الحفاظ على الموروث الموسيقي العربي، لكنه انتهى بتجديد الموسيقى العربية.. وشهدت القاهرة أكبر احتفالية موسيقية في تاريخها والتي اجتمع فيها نخبة من الموسيقيين والنقاد والمؤرخين من جميع أنحاء العالم العربي
 ومن تركيا وإيران وأوروبا للمرة الأولى للوقوف على تفاصيل الموسيقى العربية.. إضافة الى تبادل الخبرات في حوار جاد بين الثقافات.. ومن الشخصيات الموسيقية العالمية: بيلا بارتوك، باول هيندميث، هنري رابو، إريك موريتز فون هورنبوستل، رودولف درلانجيه، روبرت لاخمان وكورت ساكس.. إضافة إلى بعض المستشرقين مثل هنري جورج فارمر وألكسيس شوتين. وكبار الموسيقيين العرب بالمقدمة الموسيقار محمد عبد الوهاب من مصر وسامي الشوا من حلب وقارئ المقام محمد القبانجي من العراق.. وشاركت أيضاً فرق موسيقية عربية معروفة متخصصة بالموسيقى التراثية من سوريا والعراق ولبنان ومصر وكذلك من المغرب وتونس.. 
الموضوع الرئيس للمؤتمر كان «تنويط « الموسيقى العربية فقد كان الرأي السائد يقول ان الموسيقى العربية تفتقد لقاعدة نظرية.. إما من الناحية الثانية اخترع الفيلسوف والطبيب وعالم الموسيقى الكندي في القرن التاسع النوتة وكانت هناك نظريات موسيقية متطورة. رغم ذلك لم يستطع العرب على مدى القرون التالية تدوين الموسيقى كما في أوروبا.. ولم يتم تطوير نظرية أساسية عامة للموسيقى، فهناك ثمة ميزة في الموسيقى العربية، ألا وهي حب الارتجال. 
لذلك من الصعب (تنويطها). فكل موسيقي يعزف القطعة نفسها بشكل مختلف. ولا يتقيد بالصيغة الموضوعة للقطعة الموسيقية. لهذا كان العديد من المشاركين الأوروبيين غير متحمسين ( للتنويط ) خشية أن تفقد الموسيقى العربية بذلك
 أصولها . 
في المؤتمر نوقشت أيضاً موضوعة إدخال آلات غربية إلى الموسيقى العربية. وأثار هذا الموضوع الجدل الكثير، لأن البعض اعتبر ذلك تغييراً للسلم الموسيقي. كما حظي هذا التوجه الجديد بمؤيدين متحمسين رؤوا فيه فرصة لتجديد الموسيقى العربية من حيث تحقيق المزيد من «الهارموني” (الانسجام) وتعدد الأصوات بولفونية، إضافة إلى توسيع الأوركسترا.. ومن هنا برزت فئة عارضت هذا المنحى خشية فقدان هوية الموسيقى العربية. وبرر أنصار هذا الرأي موقفهم هذا بالقول إن الآلات الغربية لا تصلح للموسيقى العربية المتميزة باستخدام (ربع الصوت) في سلمها الموسيقي. مع مرور الوقت ثبت أن مزج هذه الآلات في فرقة واحدة كان ممكناً. حتى أن أحد الموسيقيين صنع بيانو خاصاً يستطيع عزف ربع الصوت أيضاً.
وقد مهّد المؤتمر أيضاً الطريق لنشوء علم الموسيقى العربية. وقد تم تحديد مصطلح “الموسيقى العربية” من جديد، بعدما كان سابقا جزءاً من مصطلح جماعي هو  (الموسيقى الشرقية )، الذي كان يضم أيضاً الموسيقى التركية والفارسية والهندية والصينية. 
وقد تبين في المؤتمر ولأول مرة بشكل واضح وجود تقاليد موسيقية مختلفة. حتى ان بعض الموسيقيين العرب أبدوا استياءهم حين شاهدوا الاختلافات الموسيقية الهائلة التي تفصلهم عن بعضهم البعض .على سبيل المثال موازين الموسيقى العربية في المشرق العربي مختلفة تماماً عن الموازين المستخدمة في المغرب العربي، القريبة من النظام الزمني الأوروبي. وعلى العكس من الموسيقى العربية في المغرب تستخدم الموسيقى في كل من سوريا و مصر والعراق- وبشكل طبيعي – ربع الصوت.     
فكرة هذا المؤتمر جاءت من عالم الموسيقى المصري أحمد محمود الحفني الذي عاد للتو من الدراسة في برلين، وكان أول عربي يدرس علوم الموسيقى.. حيثُ بدأ عمله في القاهرة مفتشاً للموسيقى، ومسؤولاً عن التعليم الموسيقي في وزارة الثقافة في مصر. ومن خلال تجربته في ألمانيا رأى أحمد الحفني بوضوح ندرة الأبحاث في الموسيقى العربية، فأراد تجديدها لتتواصل مع الموسيقى الأوروبية دون المساس بسماتها الأساسية.
يعد مؤتمر الموسيقى العربية الأول العام 1932 إلى اليوم واحداً من أهم المحطات في تطور التاريخ الحديث للموسيقى العربية.. والسوأل هو لماذا لم يتم حتى الآن عقد مؤتمر للموسيقى العربية تحدد فيه الأصول التاريخية للمقامات العربية الرئيسية منها والفرعية التي قد تصل الى 350 مقاماً.