حازم مبيضين
اتفاق التهدئة في غزة ليس جديداً، وليس نتيجة للاشتباك الأخير بين حماس والإسرائيليين، ذلك أن الاتصالات تجري منذ عدة أشهر، ومن قبِل عدة أطراف، وليس سراً الدور الذي لعبته قطر ومصر في هذا المضمار، كما أنه ليس سراً أن حماس كانت تتحدث مع كل طرف بلغة مختلفة، فحين كان الجميع يتحدث عن التهدئة والهدوء وحقن الدماء، كانت حماس تتحدث عن شيء آخر، عن قضية سياسية ومفاوضات مع إسرائيل
، وهنا لابد من التأكيد أن موقف منظمة التحرير وحركة فتح، كان دائماً مع استمرار عدم إراقة الدماء بلا مبرر، لكن تسييس حماس للأمر، برعاية المبعوث الدولي ملادينوف، الذي نجح في ربط ذلك بقضية أموال تدفع إلى إسرائيل، لتمد غزة ببعض الاحتياجات، أمر ترفضه قيادة المنظمة، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني.
وقد تم تجاوزها في مسألة دخول أموال إلى قطاع غزة عن طريق إسرائيل، رغم أن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن إدخال هذه الأموال، ومعروف أن إسرائيل حاولت سابقاً، الضغط على السلطة الفلسطينية، لتقوم بذلك عبرها، لكنها جوبهت بالرفض باعتبار أن هذا شأن فلسطيني داخلي، ومن يريد مساعدة الشعب الفلسطيني، يساعده عن طريق السلطة الشرعية ومنظمة التحرير، وليس عن طريق تفسيخ الموقف
الفلسطيني.
رغم التبجح الإعلامي بالانتصار، فإن حماس كانت تستبعد تصعيد الحرب في غزة، باعتبار أن إسرائيل خرقت مسار التهدئة لإعادة عملية المفاوضات، وهي تحاول التنصل من البنود التي تمّ الاتفاق عليها فيما يتعلق بالممر المائي، ورواتب 2000 موظف في سلطة حماس، ومع ذلك فإن البعض رأى مع استشهاد القائد في حركة حماس نور بركة
، وسقوط سبعة شهداء، أن التصعيد محدود وغاياته استخبارية ومعلوماتية، في حين وصفت آراء أخرى العملية الإسرائيلية بالفاشلة
، معتبرين أنها سوف تكبد الكيان الصهيوني خسائر سياسية كبرى، وتستدعي محاسبة الدول والقوى التي تعمل على مسار التهدئة. والواضح أنه مع بقاء غزة مسرحاً للفوضى، وفي ظل تجاذب إقليمي ودولي، فان هناك أطرافا عدة ترغب بتمرير صفقة القرن
، وتهويد القدس بشكل رسمي، وصولاً إلى تحويل غزة إلى جزيرة معزولة، وضبط مسيرات العودة على أطراف القطاع المحاصر، في مقابل بعض التنازلات لدولة الاحتلال، من خلال توسيع مساحة الصيد البحري، والاستمرار بالسماح بتدفق الأموال المحوّلة من
قطر.
المعركة الاخيرة كما هو واضح وقعت نتيجة خطأ تقدير إسرائيلي، بحيث حصل اشتباك خلال مرور دورية لجيش العدو، أدت إلى مقتل القيادي في حماس نور بركة، فكان أن ردت حماس تحت الضغط الشعبي، وبعد اجتياز إسرائيل للشريط وتوغلها حوالي ثلاثة كلم، وسقوط سبعة شهداء فلسطينيين، اضطرت حماس للتصدي والرد
، مع إدراكها أن الشارع الفلسطيني لم يكن راضياً عن مسار التهدئة والشروط الإسرائيلية، فهو كان قد دفع ثمناً غالياً جداً بتقديم مئتي شهيد وآلاف الجرحى، ليس للحصول على خمسة عشر مليون دولار و كي تقوم إسرائيل بعد ذلك برفض ما اتفق عليه حول الممر المائي، علماً بان الأجواء العامة بين حماس وإسرائيل، كانت تؤكد أن مسار التهدئة يسلك طريقه
الطبيعي.
ومع كل ما جرى تضخيمه وتهويله، عن انتصارات فان صواريخ حماس والجهاد لن تسمح للقطاع بالصمود في حرب جديدة، فالكل يعرف أن قطاع غزة منهار اقتصادياً ومعيشياً، فهو ليس أكثر من منطقة جغرافية صغيرة، يعيش فيها نحو مليوني فلسطيني على مساحة 362 كيلومتراً مربعاً، وهي لا تملك صناعات تُذكر وتعاني نقصاً مزمناً في المياه والكهرباء والوقود. وتبلغ نسبة البطالة فيها 53 في المائة من القوة العاملة، بينهم 70 في المائة من الشباب.
ما يعني أن أكثر من ثلثي سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الانسانية، وإذا نحن نظرنا بتجرد مع الأخذ بعين الاعتبار ما يجري في الإقليم فإن ما يبعث على الريبة هو أن تكون حقيقة المعركة الأخيرة وما برز فيها من "حرب الصواريخ"، خطوة متقدمة لإقامة كيان إسلاموي إخونجي مستقل، برضا دولة الاحتلال، تدعمه وتشد أزره قطر وتركيا وحركة الإخوان المسلمين والهدف واضح ويتمثل بإسقاط السلطة الفلسطينية ومشروعها الوطني، وتمرير صفقة القرن التي تتواصل ولو ببطء خطوات تنفيذها في ظل صمت إن لم نقل تواطؤ بعض حكام العرب، مع ضرورة ملاحظة أن التجربة العملية أثبتت أن حرب الصواريخ لا تحسم حرباً، وأن أقصى ما تستطيعه هو حالة من توازن الرعب، وعدم السماح بأي تطور في أي مجال من مجالات الصراع، وذلك هدف تسعى إليه إسرائيل، ما يعني إن أردنا الحقيقة
، مع الترحم على أرواح الشهداء، أن علينا عدم الابتهاج بنتائج حرب الصواريخ، وعدم التفاؤل بنتائج معركة غزة الأخيرة. حتى لو أسفرت في ظاهرها عن أزمة حكومية في إسرائيل نعرف جميعاً أنها تعبير عن صراع إرادات ومراكز قوى، وجدت متنفساً للانفجار في حضن حرب الصواريخ.