تحولات المشهد الإقليمي

آراء 2018/11/23
...

نصير فليح
 
قبل اعوام قليلة كانت الحرب مع الارهاب على اشدها في في العراق وفي سوريا ايضا. اليوم يبدو المشهد الاقليمي مختلفاً كثيراً، فمع الهزيمتين الكبيرتين اللتين منيت بهما الجماعات المسلحة الارهابية وداعش تحديداً على الجبهتين العراقية والسورية، ومع بروز مشاكل اقليمية جديدة، يبدو ان قواعد اللعبة السياسية اخذت بالتغير.
فقبل اعوام قليلة، كانت الرهانات على نتائج الصراع مع داعش والجماعات المسلحة المماثلة، هي الرهانات الاهم في المنطقة، والنتيجة التي كان يمكن ان تنجم عن هذا الصراع كانت محط الانظار الابرز. لكن انتصار الجيوش النظامية والقوات المساندة لها في العراق وسوريا، على جبهة الجماعات المسلحة وداعميها، جعل الاحداث والانظار تأخذ مسارات اخرى، مثل مناطق النزاع الاكثر عنفاً، كالحرب على اليمن، او المتغيرات السياسية الابرز، مثل الانشقاق داخل مجلس دول التعاون الخليجي بين قطر من جهة، والسعودية والامارات والبحرين من جهة، وعودة الازمة الاميركية-الايرانية الى التصاعد مجدداً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران وفرض عقوبات متصاعدة ضدها، هذا اضافة الى بروز الدور الروسي بقوة على ساحة المنطقة والشرق الاوسط، وهو دور له اهميته الستراتيجية في خلق التوازنات والمتغيرات.
مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي جاء ليستقر على ارضية كهذه. وحيث ان الجريمة نفسها بشعة جدا، فضلا عن حدوثها على ارض دولة اخرى هي تركيا، والتنافر (ولا نقول التناحر) بين تركيا ومصر من جهة، والسعودية وقطر من جهة اخرى، فقد افضى ذلك الى تفاعلات سياسية مهمة جدا اصبحت فيها مواقع الرهانات الاساسية الاقليمية مختلفة كثيراً.
فيما يخص بلدنا، يبدو ان مقومات لعب دور اقليمي في المشهد الجديد باتت اكثر مؤاتاة، فمشاكل بلادنا الاساسية اليوم تكمن في الملفات الداخلية، لا سيما الاوضاع المعيشية والخدمات. الدور الاقليمي الممكن والجديد، والذي تمثل مؤخراً بنشاط دبلوماسي ملحوظ وزيارات للشخصيات العراقية مثل رئيس الدولة ورئيس البرلمان الى دول خليجية وايران، دور مطلوب ومهم للعراق بحكم ارتباط استقرار العراق نفسه باستقرار المنطقة، ولكن هذا الدور يجب ان يكون على ارضية الخبرة السابقة التي تكونت في التجارب العديدة والعنيفة التي مرت بها بلادنا منذ العام 2003. فمن الضروري والمهم ان يلعب العراق هذا الدور، ويتحول من نقطة تصفية حسابات وساحة للتدخلات الاقليمية الى نقطة توازن وتقريب لحل الازمات، ولكن درجة الموثوقية بالاطراف المختلفة المحيطة بنا يجب ان لا تغفل عن التجارب السابقة، وان تظل دروس الحرب الاعلامية والامنية والسياسية التي تم توجيهها بكل زخمها ضد بلادنا بعد 2003، وما نجم عن ذلك من خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا، ان تظل موضع التذكر والاعتبار، والا، فان "التاريخ قد يعيد نفسه" كما يقال، وقد نجد الاستقرار الامني الهش يتبدد من جديد، مع تغيرات جديدة في المشهد الاقليمي المتسارع.