عبد الحليم الرهيمي
عمد رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبد المهدي على ان يتضمن (منهاجه) الوزاري المقترح وليس (برنامجه) الاوسع ، الإشارة الى واحدة من القضايا المهمة التي تواجه الدولة العراقية وحكومته العتيدة بوجه خاص وهي فعل ومخاطر ما اصطلح على وصفه بـ (الدولة العميقة) حيث جاء في هذا (المنهاج ) قول السيد عبد المهدي (لا يمكن القبول بالدولة العميقة ولا بالدول او الدويلات خارج
الدولة ).
لقد جاءت هذه (الاشارة السريعة) ضمن الاشارات (السريعة ) التي وصفها كذلك السيد عبد المهدي في منهاجه ، بعد ان تصاعد في الأشهر ، وربما السنوات الأخيرة ، تداول مصطلح (الدولة العميقة ) الذي أخذ يتحدث عنه كثير من السياسيين والإعلاميين ، حتى وان كان بعض منهم لا يدرك معناه او يقدم تعريفاً محدداً له !
واذا كان مفهوم الدولة – اي دولة – المتعارف عليه ، دولة دستورية أو غير دستورية ، وجود مؤسسات رسمية تشكل السلطات الثلاث وفق التقاليد والاعراف ، والدستور ان وجد ، وتدير شؤون الدولة والمجتمع ولمصلحتها باجهزتها الإدارية الرسمية .. فان مفهوم (الدولة العميقة) الذي هو مفهوم اصطلاحي وهلامي غير محدد المعالم رسمياً ، في الواقع ، سلطات او اجهزة (مجهولة) موازية لسلطات الدولة الرسمية ،التي تمد اطرافها وخيوطها كاخطبوط في مؤسسات الدولة وخارجها ،التي تتألف من جماعات وفئات حزبية وغير حزبية ومن بعض جماعات الجريمة المنظمة وغير المنظمة ، المسلحة وغير المسلحة ،التي تحاول ان تستأثر بموارد الدولة ومصالحها لمصلحتها الذاتية وبالتالي يصح وصف هذه (الدولة) والدويلات الاصغر خارج الدولة الرسمية بانها – وكما وصفها البعض – تمثل (منظومة الفساد العميقة ) التي تخترق كل أجهزة ومسامات الدولة بشبكاتها الواسعة التي اقامتها خلال السنوات الخمس عشرة
الماضية ! .
وبهذا التوصيف لا يمكن اعتبارها (حكومة ظل) برلمانية معارضة للحكومة ،التي تمسك بزمام السلطة ، ولا هي بالمعارضة خارج اطر الدولة والبرلمان ، انها فحسب شبكة او منظومة الفساد المستشري المتسلل بـ (عمق) في جسد الدولة الرسمية والمجتمع ، وتمارس فعلها بموازاة ، او ضمن ، عمل مؤسسات الدولة وبما يثلم او يصادر هيبتها امام مواطنيها وأمام العالم ، وبما يسلب ايضاً دورها وفاعليتها ويشل من قدرتها، للقيام بدورها على مختلف الصعد وانجاز المهام المحددة لها دستورياً ، او وفق الاعراف والتقاليد المتعارف
عليها .
لا شك ان اشارة رئيس الحكومة السيد عبد المهدي في منهاجه الوزاري الى هذه القضية ، هي اشارة كبيرة الاهمية وان كانت (اشارة سريعة) .. ذلك انها تعني ، كما يفترض ، توجيه الرأي العام الى منظومة الفساد العميقة التي ( لا يمكن القبول بها ) الامر الذي يتطلب ترجمة عدم القبول هذا لاحقاً ، الى اجراءات عملية للحد من فعل ومخاطر هذه (الدولة العميقة) وصولاً الى انهائها والقضاء عليها خلال المرحلة
المقبلة .
لذلك فان استخدام المنهاج تعبير (عدم القبول ) بالدولة العميقة والدويلات الاخرى خارج اطار الدولة الرسمية ومؤسساتها هو (تعبير مخفف وغير صادم) ،اعتبره كثيرون بمثابة تنبيه الى وجود تلك (الدولة العميقة) وانذار لمواجهتها مستقبلاً ، بما يعنيه ذلك ان (عدم القبول) يبقى بحاجة الى التعبير بوضوح اكبر ينطوي على معنى الرفض والادانة لهذه (الدولة) والوعد بانهاء وجودها والقضاء عليها كجزء مهم واساسي من نهج محاربة وملاحقة الفساد والفاسدين الذي جرى التعبير عنه بوضوح في المنهاج الوزاري قبل البرنامج الوزاري
المنتظر .
وفي ضوء ذلك فأن مآل ومصير (الدولة العميقة) اي مآل ومصير (منظومة الفساد العميقة) والقضاء عليها مرهون بطبيعة الاجراءات والخطط العملية التي سيتضمنها (البرنامج الوزاري) لمواجهة منظومة الفساد العميقة هذه التي تمثلها (الدولة العميقة) .
واذا كان السيد عبد المهدي وحكومته قد عبر عن (عدم القبول) بهذه ( الدولة العميقة) وبقية الدويلات خارج اطار الدولة العراقية ، فان اشارته هذه تتطلب مواصلة العمل الدؤوب صوب القضاء عليها باتخاذ حكومته اجراءات وقرارات ضمن صلاحياتها من جهة والاقتراح للبرلمان سن التشريعات والقوانين التي تعضد تلك الاجراءات والتوجهات الهادفة الى الحد منها من جهة ثانية ، ثم القضاء لاحقاً على منظومة الفساد المستشري بشكل المروع ، وكذلك على (دولته العميقة) المدمرة للدولة العراقية والمجتمع العراقي في آن
واحد .