وضعت المرجعيّة الدينيّة العليا في بيانها الأخير والذي تلاه ممثلها من على منبر صلاة الجُمعة في الحضرة الحسينية الشريفة، النقاط على الحروف لوضع خارطة طريق عاجلة لخروج البلاد من أزمتها الراهنة التي تمرّ بها، وسبق وان كرّرتها في بيانها الاول الذي أدلت به منذ بضعة جُمع وفي المكان ذاته وبمضمون مقارب له بعد اشتداد وطأة التظاهرات في وسط وجنوب العراق، ومارافق ذلك من سقوط الكثير من الشهداء والجرحى ضمن حراكهم الاحتجاجي السلمي والمكفول دستوريا، إلّا ان المرجعية امتعضت لعدم تلقيها اية استجابة او ردا مناسبا او معقولا من قبل الحكومة (بجميع سلطاتها) والتي استقال رئيسها بناءً على تطور مآلات الاحداث الدامية والمؤسفة وكرد فعل لخطاب المرجعية الغاضب من مسألة التعامل الحكومي مع الامور التي اخذت منحى دمويا تصاعديا كما حدث في محافظة الناصرية جنوب العراق والنجف الاشرف ايضا، وهو منحى خطير قد تنزلق فيه البلاد الى حرب اهلية طاحنة لاسمح الله، وامتعضت المرجعية كذلك من سياسة التسويف والمماطلة وغضّ النظر من قبل من بيده زمام الامور ـ حسب وصفها ـ تجاه بياناتها ونصائحها وارشاداتها الابوية والتي مازالت تترى منذ اشتداد الازمة الى أن بُحَّ صوتها كما بُحَّ مع الطبقة السياسية من قبلُ ، فألقت الكرة هذه المرة في ملعب البرلمان ليتحمل مسؤوليته التاريخية الملقاة على عاتقه، وليوقف نزيف الدم وليتوصل الى القرار الصائب حسب خياراته الدستورية والقانونية المناسبة، وبهذا الاجراء الحازم تكون المرجعية العليا قد وضعت يدها على الجرح ونطقت بالمفيد خدمةً للصالح العام وخير الكلام ماقلَّ ودلّ، وذلك بوجوب اتباع الحل السياسي وليس الامني، وهو ملخص خارطة الطريق التي طرحتها منذ بيانها الاول الذي لم تلقَ اية استجابة له، وتصبُّ نتائج هذا الحل في جوهر مطالب المتظاهرين السلميين وهو يرتكز على الاليات الدستورية والتشريعية/القانونية لانتشال البلاد من الفوضى العارمة التي ألمّت بها وسحب البساط من تحت اقدام العناصر المشبوهة وراكبي الموجة من اصحاب الاجندات المشبوهة، او من له امتدادات اقليمية وحتى دوليّة تمسّ امن وسيادة العراق، وذلك بإعادة ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية من جديد عن طريق الاعداد الجدّي والعاجل لقانون انتخابات جديد يلبّي طموح الشارع العراقي حصرا وليس طموح الاحزاب التي لم تكن في مستوى طموح الشارع العراقي طيلة ست عشرة سنة ونيف وكانت السبب الرئيس في غضب الشارع ضد العملية السياسية التي وصفتها المرجعية بالعاجزة، فضلا عن انتاج مفوضية مستقلة وجديدة ونزيهة للانتخابات وبعيدة عن تسلّط الاحزاب خاصة الكبيرة منها والتجرّد من سياسة المحاصصة المقيتة والتي أوصلتنا الى هذا الحال، ومن ثم الاسراع في إقرار حُزمة التشريعات الاصلاحية التي تمهّد الطريق الى اجراء انتخابات نزيهة وشفافة حسب التصويت الفردي وبإشراف أممي منعا للتزوير وضمانا لوصول العناصر الكفوءة لقيادة البلد، وكل تلك الفعاليات من صميم عمل السلطة التشريعية بعد أن رمت المرجعية الكرة في ملعبها واختصرت الطريق لتنفيذ جميع المطالب المشروعة التي رفعها المتظاهرون السلميون منذ بدء حراكهم الاحتجاجي التشريني بل هو من اهمها وفتح الطريق امام بقية الاصلاحات عن هذا الطريق الدستوري.
المرجعية الدينية العليا والمتمثلة بآية الله علي السيستاني (دام ظله) كانت في جميع بياناتها بخصوص هذه الازمة تسير وفق مسلكين متوازيين الاول دعمها اللامحدود للتظاهرات والتأكيد على سلميتها وابعاد العناصر المندسة والمغرضة عنها ووجوب عدم التعامل الحكومي مع تلك التظاهرات بمنطق القوة مع الاستعجال بتنفيذ المطالب المشروعة التي يطرحها المتظاهرون، والمسلك الثاني اذ كانت المرجعية تؤكد على انتهاج الحل السياسي وليس الامني وخاصة المفرط في العنف والذي ادى الى سقوط المئات من الشهداء والاف الجرحى، فالمرجعية كانت ولم تزل تقف في صف المتظاهرين بادراك عميق ان صوتهم هو بجانب الحق والارادة العامة للشعب العراقي وتدرك ان تلك المطالب هي مطالب جميع الشعب العراقي وهو شعور عميق بالمسؤولية ازاء حاضر العراق ومستقبله هدفه الاساس الحفاظ على وحدة العراق وتكريس السلم المجتمعي الذي تحاول ان تكون المرجعية صمام الامان فيه انطلاقا من رعايتها الابوية لجميع العراقيين وهم سواسية كأسنان المشط عندها.