ميادة سفر
ليست فوضى، تلك التظاهرات الاحتجاجية المطلبية التي قامت في غير بلد في العالم، من الشرق الأوسط مروراً بأوروبا وأفريقيا ووصولاً إلى الأميركيتين، بل دليل واضح على انعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية وانعدام الرخاء والعيش الكريم، الأمر الذي دفع الشعوب التي ضاقت ذرعاً بسياسات حكوماتها، لتصرخ في الشوارع والساحات رافعة شعارات متشابهة لأحوال تكاد تكون واحدة، وكأن فقراء العالم في كل أصقاعه تنادوا أن اتحدوا، في حالة أشبه بعولمة مطلبية احتجاجية مناهضة للظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي فاق كل تصور، ونخر في الجسم البشري حتى قتله أو يكاد.
إنَّ التظاهرات التي قامت وتقوم في العالم ليست ظرفاً خاصاً أو حالة طارئة لبلد هنا أو هناك، بقدر ماهي تعبير صارخ عن حجم الضرر الاقتصادي الذي لحق بالشعوب، ضرر تمدد ليشمل بلداناً كثيرة وشرائح واسعة من الناس الذين حوربوا بلقمة عيشهم، فلم يعد الفقر سمة لشعوب العالم الثالث وحسب، بل تطاول ليصل إلى مشارف دول لطالما عرفت باقتصادات جيدة وقوية ورفاهية حياتية ملموسة، فكأننا أمام "انقلاب السحر على الساحر"، فالممارسات والعقوبات الاقتصادية والاحتكارات والفساد الذي مورس من قبل دول وأفراد وشركات بدأت تظهر نتائجه عليهم وعلى الشعوب التي "طفح الكيل" لديها فهبت بصرخة واحدة ووجع واحد لعلها تعيد شيئاً مما نهب منها وتحفظ ما بقي علّه يقيتها لما بقي لها من أوطان أو أشباه أوطان.
بطالة مرتفعة وغلاء فاحش وتدخلات ومحسوبيات ومحاصصات طائفية وسياسية واقتصادية وفساد مستشري في مختلف مفاصل الدول والحكومات، تلك عينة من المشكلات التي تعاني منها شعوب العالم دفعتها للانتفاض والتظاهر في وجه سياسييها وحكامها، حيث بدأت الناس تشعر في أكثر من مكان بشكل موحد بظلم الحياة الذي يقع عليها، والضيق الاقتصادي الذي يزداد يوماً بعد يوم ويضّيق الخناق حولها، والاوجاع الاجتماعية الحياتية التي أرهقتها وأصابتها بالوهن.
يبدو أن شكلاً جديداً من الإرهاب يمارس من قبل دول كبرى ومنظمات مالية عالمية للإبقاء على هيمنتها، الإرهاب الاقتصادي الذي بدأ يمارس بعد فشل الإرهاب العسكري، وهو أشد وقعاً وأثراً وأكثر ضرراً من كل صنوف القتل والتدمير الذي حصل، فلا سبيل أمام الحكومات التي ترغب بالحفاظ على بلدانها إلا الخروج من عباءة الغير وإحداث تغييرات جذرية تثلج الصدور، فلا حلول إسعافية أو آنية يمكنها أن تجدي نفعها أمام حجم التردي الذي وصلت إليها
أحوال الناس.