استقالة عبد المهدي الثالثة

آراء 2019/12/03
...

نوزاد حسن
   جاء عبد المهدي الى رئاسة الوزراء كمرشح تسوية بعد  خلاف بين سائرون وبين الفتح.ولم يكن هناك حل افضل من اختيار شخصية لها خبرة وشغلت مناصب سابقة.اختير عبد المهدي بعد ان وضع شروطا امام الكتل السياسية من اهمها ان يتركوا له اختيار بعض الوزراء لكابينته الحكومية.ويبدو انه اقتنع في النهاية وتولى هذه المسؤولية الصعبة جدا.
   وانا كنت كغيري اتابع تفاصيل ما جرى في البرلمان فكتبت وقتها مقالا وصفت فيه عبد المهدي بانه "مسلح باستقالتين".وكنت اعتقد ان مفعول استقالتين من منصبين مهمين شغلهما عبد المهدي ليس شيئا عاديا.ومن الطريف ان اشير الى ان الكاتب حسن العلوي توقع ان يترك عبد المهدي منصبه في اول تدخل يتعرض له.وفي الحقيقة كنت اتوقع انا ايضا هذا الامر ايضا.كما ان الكثيرين من المهتمين بالشان السياسي كانوا يقولون ان استقالته في جيبه سيستخدمها في اللحظة المناسبة.وكنت اتخيل الاستقالة التي يضعها في جيبه عبارة عن مظلة برشوت ستنقذه حين يهبط من سماء المنصب العالية,ويفتحها في اللحظة المناسبة ليصل الى الارض كما فعل في المرتين السابقتين,الاولى حين هبط من سماء منصب نائب الرئيس,وفي الثانية حين هبط من سماء وزارة النفط.
  اختلف الامر هذه المرة اختلافا كليا عما حدث في السابق.والحكاية السياسية معروفة للجميع.فما حدث في الاول من تشرين كان مؤشرا على ان التظاهرات لم تكن حدثا عاديا.وكلنا يذكر كيف خرج عبد المهدي في التاسع من تشرين معلنا الحداد ثلاثة ايام بسبب سقوط العشرات من الضحايا بين المتظاهرين والقوات الامنية.ثم بدأ الحدث ياخذ بعدا دراميا ولم يتوقف لا في بغداد ولا في المحافظات الجنوبية.وكان عبد المهدي يخرج في احاديث اثناء ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء معلقا على ما يجري وموضحا ان هذه الحكومة التي عمرها سنة واحدة لا يمكن ان تتحمل كل ما حدث من اخطاء سابقة.ولعل من ابرز الاشياء التي تحدث عنها عبد المهدي هي ان هناك مشاكسات على حد تعبيره كانت تواجهه اثناء عمله.هذا يعني ان هناك من كان يتدخل بهذه الصورة او تلك وهو القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول التنفيذي الاول لعمل الدولة.
  لكن في النهاية وجد نفسه امام استقالته وجها لوجه.وربما تكون احداث ذي قار التي سقط فيها العشرات من المتظاهرين هي اللحظة التي دفعته الى الاعلان عن استقالة يتساءل البعض هل تاخرت اكثر مما ينبغي.واظن ان هذا السؤال يدور في اذهان المتابعين والمثقفين على حد سواء.
   بلا شك كان طعم الاستقالة الثالثة مرا جدا.وقد اعلن عبد المهدي ان استقالته قد تسهم في تهدئة الشارع المنتفض الذي لم يهدأ حتى هذه.اذ ما زالت هناك مشاكل في معظم المحافظات وفي بغداد نفسها.لذا على الكتل السياسية ان تتحمل مسؤوليتها في اختيار رئيس وزراء جديد يحظى بمقبولية لدى الشارع العراقي لتنتهي هذه المحنة التي لا يستطيع احد التكهن بنهاياتها الغامضة.