يحاول بعض المخلصين والخائفين على الطائفة الشيعية من أبنائها أن يبيّن او يثبت ان المظاهرات التي بدأت في الأول من تشرين الاول هي بفعل مؤامرة خارجية لانتزاع (الحكم) من الشيعة.
ولتوضيح الحقائق لا بد لنا من ان نقول ان الحكم في العراق ليس شيعيا ولاسنيا ولاكرديا بل هناك توليفية من الاقسام الثلاثة تنتج لنا حكومة ائتلافية ضعيفة بسبب اختلاف توجهات الاحزاب الممثلة للمكونات والطوائف ان جاز لنا التعبير.
والكل يعلم أنّ الحكومات الائتلافية في الدول المستقرة وذات نظام سياسي مترسخ الاركان تكون ضعيفة وخاضعة لحسابات وتفاصيل تكاد تكون صغيرة وغير مهمة لكنها قد تعصف بالائتلاف الذي شكل الحكومة.
فكيف بالعراق الذي يرتكز على نظام سياسي (هشّ) لانّه لم يرسخ اركانه بعد ويعاني من ثغرات عميقة في دستوره الذي كتب وفق مصالح بعض الجهات التي وجدت فراغا انذاك، ووضعت الفقرات بما يناسب وضعها ومستقبلها ووضعت شروطا تكاد لا تتحقق فيما لو اقترح المقترحون لتبديل بعض فقراته.
ومن هذه المقدمة نعود للقول ان الحكم في العراق ليس شيعيا وانما جرى العرف السياسي منذ تشكيل الحكومة العراقية الاولى ان يكون رئيس مجلس الوزراء شيعيا ورئيس الجمهورية كرديا ورئيس مجلس النواب سنيا، وما يهمنا هو ان رئيس مجلس الوزراء ليس الحاكم الفعلي وان القرارات المتخذة في المجلس خاضعة للتصويت وصوته يمثل احد اصوات المجلس مقابل اصوات الوزراء الآخرين، ولايستطيع رئيس مجلس الوزراء ان يتدخل في تفاصيل عمل الوزارات وكل وزير يستطيع ان يقوم بكل ما يراه ضمن رؤيته وسياسته في الوزارة والامثلة على ذلك كثيرة ...
وبما ان عقلية الفرد العراق ميالة بطريقة او بأخرى الى الفردية فقد ساعد ذلك كثيرا في تعبئة الرأي العام ضد السياسيين الشيعة.
وضد شخص رئيس الوزراء بغض النظر من هو رئيس الوزراء، كما الكتل او الاحزاب التي رشّحت الوزير تختبئ خلف رئيس الوزراء والائتلاف الحكومي وكانت هذه من معضلات مكافحة الفشل ومكافحة الفساد الاداري والفساد المالي.
واختزنت الجماهير هذا الرفض دون ان تكون هناك توعية بالمشكلة الحقيقية وتراكمت المشاكل مع مرور السنين التي تضاعفت بسبب الهجمات الارهابية وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة التي يراد لها الفشل في نقل الديمقراطية
للعراق.
ولهذا الامر تفاصيل وشواهد لايمكننا ان ننشغل بها وتبعدنا عن تشخيص المشكلة الجديدة التي يراد لها ان تشغل تفكير المواطن مما هو مقبل ..
ولكنّنا نقول إنّ من حسنات مرحلة التغيير أنّ الاغلبية لم تعد مهمشة او صامتة بل تستطيع ان تبدي رأيها وتفرض ما تريد من خلال الانتخابات وان الاوضاع لا ولن تسمح بالعودة الى ماقبل اوضاع 2003.
اما ما يخص القانون الانتخابي فهذا بحاجة الى نقاش مفصل ليس محله الان، ولكنه سيحدد مستقبل وشكل الحكومات المقبلة، فبلد مثل العراق بحاجة الى احزاب تضع ستراتيجياتها لبناء الدولة واسعاد المواطن، اما تغليب مجموعات صغيرة فسيكون على حساب الدولة وسياستها، وهذا كما قلت بحاجة الى تفصيل ولقد جربنا ذلك في انتخابات مجالس المحافظات فكان التخبط واضحا بسبب فوز افراد دون الاحزاب فخضعت مسألة ترشيح المحافظ وانتخابه ومن ثمّ اقالته للمساومات ولمصالح
الافراد!!!.
نعود الى موضوعنا الرئيس فلن يكون هناك جوكر يضيع بوصلة الاغلبية فلقد بلغ الوعي لديها ما يؤهلها لاتخاذ قرارها دون التشكيك بعقليتها وانتمائها لوطنها، وستعالج هذه الاغلبية فقرات الدستور التي خطت باياد خوّفتها من هيمنتها وديكتاتوريتها فضاعت امور كثيرة. وان كان لا بدّ من المناقشة والمراجعة فلنستعد لمناقشة البنود كلها او تلك التي وضعت لتقييد الاغلبية.
وستفرض رأيها الواضح في عراقها الجديد ولن يحرف بوصلتها لا جوكر اميركي ولاغيره.