الغاز المسيل للدموع وتكتيك هونغ كونغ

بانوراما 2019/12/03
...

مجلة ايكونومست ترجمة: خالد قاسم
 

اكتسبت أشهر التظاهرات الشعبية في هونغ كونغ بعض الجوانب الشعائرية، فعند احتدام المواجهات يتقدم رجال شرطة ملثمون خطوات قليلة حاملين عاليا أعمدة مكتوب عليها “تحذير: دخان مسيل للدموع، باللغتين الصينية والانكليزية.” ومن ثم يبدأ الاطلاق وتدور سحب مسحوق الغاز الخانق والحارق واللاذع. وبمعزل عن قلة مجهزين بأقنعة تحميهم، تتبعثر بقية الحشود مع استمرار مطاردة الشرطة لهم.
أيا كانت الاختلافات فإن التظاهرات كثيرة حول العالم خلال الأشهر الأخيرة، إذ واجه معظمها هذا التكتيك من السلطات، وتعد هونغ كونغ معتدلة الاستخدام نسبيا لهذا الغاز اذ أطلقت قوات الشرطة هناك ستة آلاف اطلاقة تقريبا خلال الأشهر الخمسة الأولى 
من الاحتجاج.
وتبدو البيانات سطحية لكنه رقم معقول وأقل بكثير مما شهدته باريس خلال يوم واحد فقط من تظاهرات كانون الأول من العام الماضي ضد محتجي السترات 
الصفراء.
على الرغم من كراهة الغاز المسيل للدموع لكنه يحافظ على حياة المحتجين، ويقول مؤيدوه أنه يقلل العنف من مدى قريب جدا بدلا من استخدام الضرب أو حتى الاسلحة النارية الصغيرة، ويساعد القوات الأمنية بتفريق الحشود من دون اللجوء الى وسائل أكثر فتكا؛ مثل الرصاص المطاطي والبلاستيكي أو الذخيرة الحية. 
ويبدو هذا الغاز ناجحا جدا في هونغ كونغ بتقليل عدد الوفيات مع ازدياد عنف المحتجين، ولم يمت غير شخص واحد اوائل تشرين الثاني الماضي؛ وهو الطالب أليكس تشو في المشفى بسبب سقوطه من حافة على مرآب سيارات هربا من الغاز المسيل للدموع قبلها بأربعة أيام. وعلى النقيض من ذلك، شهد العراق مقتل أكثر من 400 شخص حتى نهاية تشرين الثاني الماضي بسبب استخدام السلطات للذخيرة الحية.
مع ذلك يبقى الغاز المسيل للدموع مثيرا للجدل، اذ تقول الأكاديمية آنا فيغنباوم بجامعة بورنموث أن هذا الغاز “سيئ للديمقراطية”، وتضيف أنه “يسمح بتقليل عتبة العنف المقبول وبالتالي يتجنب العملية المطولة.”
ابتكار فرنسي
قد يكون رجال الشرطة المسلحون بالغاز المسيل للدموع غير القاتل مستعدين جدا لاستخدامه، والغريب أن هذا الغاز محظور استخدامه في الظروف العسكرية لكنه مسموح أمام حشود المدنيين. ويغطي المصطلح مدى من المواد الكيميائية وأكثرها استخداما رذاذ الفلفل ومركبات أخرى، وهذا الغاز مسحوق في الواقع.
يعود أصل كل هذه المركبات الى تجارب أثناء الحرب العالمية الأولى، اذ يعود الفضل للفرنسيين بتقديم الغاز المسيل للدموع بساحات القتال في آب 1914، وتسبب استخدام الغازات السامة والخانقة بتلك الحرب الى حظرها تحت بروتوكول جنيف 1925.
وتتحايل الجيوش أحيانا على هذا الحظر، فأميركا على سبيل المثال استخدمت وعلى نطاق واسع غاز سي أس في حرب فيتنام وفق أمر تنفيذي رئاسي.لكن الحظر على الاستخدام العسكري للغاز المسيل للدموع أدخل أيضا ضمن معاهدة الأسلحة الكيميائية 1993.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انتشر استخدام الغاز المسيل للدموع لمكافحة الشغب في الولايات المتحدة ومن ثم الامبراطورية البريطانية. 
وتتبع شرطة هونغ كونغ اجراءات كانت قد صممت منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية عندما واجهت السلطات الاستعمارية البريطانية مسألة كيفية تبرير استخدام الغاز، وكان أحد الشروط الأساسية “وجود نية معلنة لاستخدام الغاز المسيل للدموع وتحذيرات مناسبة تعطى
للخصوم.” تبدو التأثيرات القصيرة المدى لهذا الغاز غير مريحة للغاية، لكنها تزول بسرعة ولا يعرف الكثير عن المخاطر بعيدة المدى. ويتفق معظم المراقبين أن المخاطر تأتي من سوء استخدام الأجهزة والمواد أكثر من الغاز نفسه.