اللاجئون يشاركون اللبنانيين انتفاضتهم

بانوراما 2019/12/03
...

ترجمة: بهاء سلمان مات ناشد
 

ولّدت انتفاضة لبنان العارمة، التي اندلعت أواسط شهر تشرين الأول الماضي، تجمعات حزبية في الشوارع واعتداءات غوغائية، مع عرض نادر لتضامن يرفض الاصطفافات الطائفية. وبرغم تقديم رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته قبل أسابيع عدة ، لن تكتمل الثورة حتى يتم تغيير كامل النظام السياسي. يعود النظام السياسي اللبناني الى سنة 1943، عندما توافقت النخب السياسية المسلمة والمسيحية لصياغة الميثاق الوطني، وخصصت الوثيقة مناصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب للمسيحيين الموارنة والمسلمين السنة والمسلمين الشيعة، بشكل متعاقب. 

وتم توزيع مقاعد البرلمان وفقا للخطوط الطائفية لتعكس تعدادا سكانيا شابته العيوب، أجري سنة 1932.
 
قوانين مدمرة
وعلى مدى عقود، جعل الدستور من لبنان عرضة للتدخلات الخارجية وحصول شلل للدولة وإثارة توترات سياسية حادة، بلغت ذروتها عندما نشبت حرب أهلية طالت 15 سنة، بين عامي 1975 و1990. واستعاد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، النظام السياسي المهلهل، لكن مع بعض التعديلات، متضمنا توزيع السلطة بين أمراء الحرب وحكام وفق نظام حكم الأقلية. وبعد نحو ثلاثين عاما، يقف المواطنون اللبنانيون من جميع الأطياف الدينية متحدين بشكل كبير للدخول في مرحلة تغيير النظام السياسي الطائفي، ويقف خلفهم اللاجئون الفلسطينيون والسوريون. ولكونهم أحد أكبر ضحايا النظام الطائفي للبنان، يملك اللاجئون مطالبة شرعية للتظاهر، ليس لأنهم حلفاء فقط، بل لكونهم أناس ارتبط مصيرهم برحمة النظام.
بعد كل هذا الوقت ، يستضيف لبنان ما يقارب مليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني وسوري سوية، وهو رقم يصل الى ربع تعداد سكان لبنان، ويضع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي موضع الخزي لكمية الأعداد القليلة من اللاجئين الذين أعيد توطينهم داخل بلدانهم خلال السنين الأخيرة.
لكن منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، قامت الطبقة السياسية بالتضحية باللاجئين لأجل صرف الانتباه عن فشلهم في توفير الخدمات الأساسية أو تنشيط الاقتصاد أو تخفيف حالة تفشي سوء إدارة أموال الدولة. ومع تواصل توزيع مقاعد البرلمان على نحو متساو بين النواب المسيحيين والمسلمين، كما نص عليه اتفاق الطائف، بقي السياسيون يصنفون الفلسطينيين والسوريين كونهم يمثلون تهديدا ديموغرافيا. ومن وجهة نظرهم، فإن أية جهود تعمل على تحسين ظروف اللاجئين المعيشية ستشجعهم على خيار الإقامة الدائمية في البلاد، وبالتالي يتأرجح التوازن الطائفي الدقيق للبنان لصالح المسلمين السنة.
 
تعمّد تصعيب الظروف
ووظف السياسيون هذا الجدل لتبرير حرمان نحو مئتي ألف فلسطيني من مزاولة العمل في 25 مهنة عالية المهارة أو حيازة الأملاك أو اجراء ترميمات أساسية داخل مخيّمات اللجوء. 
ولنا أن نتأمل أنه في المتوسط يموت شهريا شخص فلسطيني واحد من سكان مخيّم برج البراجنة نتيجة الصعقات الكهربائية التي تسببها كثرة الأسلاك الكهربائية العالية الفولتية والمتدلية بشكل عشوائي.
مثل حالات الوفاة الممكن تجنبها هذه صارت شائعة بين سكان المخيّمات، بينما تدفع التقييدات المفروضة على فرص العمل الشباب للانضمام الى الميليشيات والعصابات.
أما الموقف بالنسبة للسوريين، فليس أحسن حالا، إذ يتم استبعاد أو استغلال غالبيتهم ضمن القوى العاملة ويواجهون موانع متعددة للحصول على وضع قانوني. 
وأشار تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش صدر خلال شهر تشرين الأول الماضي لترحيل أكثر من 2700 سوري بين 21 آذار و29 آب لدخولهم البلاد عبر منافذ غير رسمية. وتشير تقارير لاحقة الى اعتقال ثلاثة من الرجال المرحلين من قبل السلطات السورية، المعروفة بإجرائها لاستجوابات المعارضين. 
وبرغم افتقارهم للوضع القانوني، انضم السوريون الى التظاهرات عبر البلاد، وكذلك فعل أقرانهم من الحائزين على وضع قانوني، رغم خشيتهم من احتمال فقدانهم لتصاريح الإقامة لمعارضتهم الحكومة اللبنانية. 
وبالنسبة لشابة إسمها مريم، طلبت عدم ذكرها اسمها الكامل خوفا من التعرّض لها، فإن الانضمام الى التظاهرات أمر يستحق المجازفة؛ فمنذ فرارها من سوريا قبل خمس سنين، تعتقد مريم أنها تمتلك الحق بالاحتجاج بسبب معاناتها من القضايا نفسها التي تهم أقرانها اللبنانيين. وتقول أن الأمر يتعلّق بالمبدأ للتعبير عن التضامن مع الناس على امتداد المنطقة نحو تحقيق التغيير: “الثورة اللبنانية هي جزء من الثورات العربية، وعلينا الاصطفاف سوية.”
 
ترحيب حذر
تم الترحيب باللاجئين داخل ميادين التظاهر وعلى نحو واسع، رغم رأي البعض أن النظام السياسي الذي يتّبع الطائفية يجب عليه في المقام الأول الحرص على خدمة المواطنين 
اللبنانيين. بيد أن الحقيقة المجرّدة تشير الى إن انهاء الطائفية سيقود حتما الى إزالة التقييدات القانونية المعطلة الموجهة ضد اللاجئين، والتبشير بحكومة تحرص على مواطنيها بشكل
حقيقي. 
ويقصي الغياب التام للطائفية الجدل بشأن كون اللاجئين يمثلون تهديدا ديموغرافيا، ويفتح الباب لإمكانية استقرار الفلسطينيين والسوريين داخل لبنان، إذا ما اختاروا ذلك.
ولطالما اعتبر اللاجئون أمثال مجدي آدم، الفلسطيني البالغ من العمر 44 عاما، لبنان وطنا لهم، لكن أثناء تفكيره بالذهاب الى ساحة التظاهرات، فضل مجدي البقاء على الحياد حاليا: “الكثير من الفلسطينيين يرغبون بالمساهمة في التظاهرات، لكننا نخشى من سؤال اللبنانيين لنا، ’ما هو شأنكم هنا؟ كما يقول من مخيّم شاتيلا في بيروت.
لدى الفلسطنيين والسوريين أيضا خوف من اقدام السياسيين على التضحية بهم بسبب تحريضهم على التظاهرات. وكان زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قد اتهم المحتجين بتلقيهم دعما أجنبيا، ومساهمتهم بمؤامرة واسعة لإضعاف لبنان.مع ذلك، بدا بعض المتظاهرين اللبنانيين مصدومين من الاتهامات، لكن العديد من الفلسطينيين والسوريين لم يتفاجأوا. ولكونهم لاجئين، فقد وضعوا لفترة طويلة ضمن طوق التهديد الأمني، ومنعوا من ممارسة نشاطات سياسية. ويبقى الأمل قائما أنه مع تصاعد احتجاجات لبنان، سيكون للاجئين 
صوت مسموع ويتم احتضانهم في الشارع.