تراتيل لاسترجاع الوطن

آراء 2019/12/06
...

محمد شريف أبو ميسم
 
كان لا بد من أن يقول الشعب كلمته، فالصمت والخنوع ليس من صفات العراقيين حتى في زمن الطغيان، ولكن لنتساءل من المستفيد من تحويل حقنا في الاحتجاج الى صدامات دموية، ولنراجع على عجالة ما تعرضت له البلاد منذ أن أسس الحاكم المدني «بول بريمر» للدولة الفاشلة، حتى نستطيع قراءة ما يحاك لنا، بعد أن أصبحت بلادنا ساحة لصراع الارادات الدولية والاقليمية، حينها يمكن أن نتجنب مرارات مالا يحمد عقباه، فلماذا ندمّر بلادنا ويموت أولادنا لصالح هذا الطرف الدولي أو ذاك الاقليمي؟ ونحن أمامنا فرصة لاسترجاع الوطن، أفلا يكفينا ما لاقيناه خلال ستة عشر عاما جراء تدخل هذه الارادات في رسم مسارات الأحداث والتداعيات في بلادنا، فمنذ أن شرّع الحاكم المدني «بول بريمر» قوانينه المئة التي أسست لنهب المال العام وسوء الادارة والفساد وضياع فرص التنمية، ومنذ أن جعلوا بلادنا ساحة للصراع الطائفي الاقليمي وفريسة للمتحاصصين، وراحوا يقطعون أوصال الناس بالمفخخات، ومنذ أن أعاقوا كل محاولات النهوض بها بعد أن فرضت المنظمات الدولية ارادتها على صانع القرار، وكبلوها بالمديونية والاتفاقيات الدولية التي ستعيق كل محاولات الحكومات المقبلة للخروج من مأزق التبعية، وانتهاء بحرب كيانهم الداعشي وما خلفته من دمار وتراجع، ونحن نعيش تداعيات صدمة التحول. فيما كانت أدوات العولمة الثقافية تمهّد لولادة جيل بذاكرة كاذبة، جيل أوهموه ان بغداد كانت أشبه بباريس ولندن في زمن الاستبداد، وان التردي الذي لحق بالبلاد وسرّ الفوضى العارمة وعدم تكافؤ الفرص، ناجم عن وجود طبقة سياسية موالية لغرمائهم
 وحسب. 
وهكذا ومع نمو امبراطوريات الفساد وتزايد الفجوة الطبقية، في ظل صدمة التحول التي أفضت الى غيبوبة الوعي وقبول الناس بالحلول الجاهزة، بالتزامن مع نضج الساحة لتدفق رساميلهم، كان الهدف التالي هو الخلاص من القوى القريبة من غرمائهم الاقليميين، بعد أن عمد الطرف الآخر الى توظيف بلادنا بوصفها ورقة تفاوضية رابحة في أجندته. فكان لا بدّ من حرق هذه الورقة واشعال فتيل صدام مسلح بين الناس والأبطال الذين تصدوا لمؤامراتهم الداعشيّة، وجر الاحزاب التي تتماهى مع الارادة الاقليمية في توجهاتها الى هذا الصدام، فكان الاشتغال على الوهم، اذ أوهموا الناس ان الفساد والتردي ناجم عن وجود هذه الطبقة السياسية وحسب. مثلما أوهموا هذه الطبقة السياسية من قبل «ان السلطة هي المغانم» وأوهموا المحافظات التي قست على البعث في انتفاضة العام 1991 انها قادرة وبتميز على احداث التغيير الذي ينشده كل الناس. وأوهموا البعث انه يمكن أن يعود الى السلطة ويمكن أن يثأر لهزيمته.
وأوهموا المتظاهرين ان القوات الأمنية هي التي تقوم بقتلهم، وحاولوا ايهام العشائر العراقية بأهمية أخذ الثأر. وكل هذا كان بالتزامن مع الخطوات التي كلفوا «بلاسخارت» بايصالها الى زعماء القوى النافذة. والتي بموجبها سيتم تشريع القوانين التي عطلت من قبل بوصايتهم وارادتهم، بهدف تكريس تداعيات صدمة التحول.
فيما ستفرز الانتخابات المبكرة قوى سياسية جديدة تدّعي تمثيل المتظاهرين، وأول خطوات الحكومة المقبلة، هي حصر السلاح بيد الدولة، بحسب القوانين النافذة، ومنها قانون هيئة الحشد الشعبي وقانون تنظيم حيازة السلاح وقانون العشائر
العراقية.
ثم سرعان ما ستتدفق شركات العولمة الأمنية بحسب قانون الشركات الأمنية الذي شرّعه البرلمان السابق، لتتم السيطرة بالمطلق على الساحة الأمنية وتتدفق رساميل العولمة لبناء امبراطورياتهم المالية في العراق، والتي ستضع حدا لتواجد الارادات الأخرى التي تناصبهم العداء، ايذانا بمصادرة البلاد وانطلاق مشروعهم الشرق أوسطي، فهل من العقل أن نكون أدوات لهذه القوى المتصارعة ونتجاهل امكانيات تحقيق أهدافنا بالوسائل السلميّة؟.