ايميلي فشباين
ترجمة: بهاء سلمان
خلال شهر أيار الماضي، وخلال شهر رمضان المقدّس عند المسلمين، توجه نحو مئة بوذي مسلحين بعصي وحجارة لتطويق ثلاثة مساجد للمسلمين، مانعين المصلين من أداء صلاتهم. كان هذا مثالا آخر لأعضاء من الغالبية البوذية المروّعين للسكان المسلمين في ماينمار، حيث رافق التحوّل الى الديمقراطية بعد نصف قرن من الحكم العسكري صعود حاد للمشاعر المتطرفة والعنف الديني.
وبعد ليلة من الحادث، اجتمع ثيت مين، 33 عاما، ناشط السلام لوقت طويل، مع مجموعة من رفاق بوذيين يحملون نفس أفكاره، بمعية ناشطين متدينيين، لشحذ الأذهان بغية ايجاد وسائل تظهر التضامن مع الأقلية المسلمة. وقد تذكر رحلة الى باريس سنة 2015، حيث شاهد مسلمين يقدمون ورودا بعد حصول حادث ارهابي هناك، وتأثر بلفتة التعاطف الرائعة تلك.
بنفس الليلة، ألتقت مجموعة وين بمعية راهب بوذي اسمه ساياداو يانغون، كان يمثل داعية نشيطا للوئام بين الأديان، وذهبت الى أحد المساجد وأعطت باقة ورود الى المصلين المسلمين. وانتشرت حملة "الوردة البيضاء" بسرعة من يانغون، المدينة الأكبر داخل ماينمار، الى أكثر من عشرين مسجدا عبر البلاد، لتصير رمزا فعّالا للعلاقات بين الأديان، ضمن بلد تندر فيه الأصوات العلنية المطالبة بايقاف الخطاب المعادي والعنف الموجه ضد المسلمين. يقول وين: "أنا أؤدي هذا العمل لأن القليل جدا من الأشخاص يؤدونه، وأسعى لتحشيد الناس كي يكونوا أسرع تجاوبا."
قاد وين سلسلة من الحملات الداعمة للوئام بين الأديان، وهي فكرة مثيرة للجدل داخل ماينمار، وتكمن إحدى أسبابه في تحدي الآراء المتشددة لبعض من رهبان البلاد الخمسمئة ألف، المالكين لمكانة مبجّلة ضمن المجتمع، ولديهم قدرة على لعب دور مؤثر في الشؤون السياسية. ومنذ بداية تحوّلها الديمقراطي سنة 2011، شهدت البلاد تزايد الشائعات من الزعامات البوذية والعلمانية المدعية بتهديد المسلمين، الذين يؤلفون أربعة بالمئة من أعداد السكان البالغة 54 مليونا، بـ "ابتلاع" البوذيين، الذين تصل نسبتهم الى 88 بالمئة من مجمل السكان.
سلسلة عنيفة
وانقلبت أعمال شغب دينية الخلفية عبر البلاد الى أعمال مميتة أحيانا، بينما ضربت يانغون هجمات غوغائية متقطّعة شملت المساجد والمدارس الاسلامية ومحالا تجارية يملكها المسلمون. واندلعت أعمال عنف سنة 2012 بين المسلمين الروهينجا والبوذيين في ولاية راخين الغربية، مرغمة أكثر من مئة ألف مسلم على ترك ديارهم. وتجدد العنف داخل راخين سنة 2016 و2017 بأثر هجمات ضد مواقع عسكرية نفذها ما يسمى بجيش اراكان لخلاص الروهينجا. وشن جيش ماينمار سنة 2017 حملة اغتصاب وقتل وحرق للممتلكات ضد المدنيين الروهينجا، فر على إثرها 730 ألف الى بنغلاديش، وجدت تحقيقات الأمم المتحدة أنها نفذت بهدف الابادة الجماعية.
وأخفقت الحكومة التي تقودها الحائزة على جائزة نوبل للسلام اون سان سوتشي بادانة العنف، لتنحدر سمعتها بشدة ضمن الأوساط الدولية. لكن الكثيرين داخل ماينمار يدعمون رواية كون الروهينجا فهم مهاجرون غير شرعيين قدموا من بنغلاديش، وينبغي طردهم. وبدأ وين بالحديث علانية ضد العنف الموجه ضد المسلمين سنة 2012، عندما فزع لمعرفته ببقاء الكثير من رفاقه المؤيدين للديمقراطية وناشطي السلام صامتين إزاء هذه الحالة: "البقاء بدون حراك وعدم فعل أي شيء لا يكفي، فالمجتمع المدني يعتبر خط الدفاع الأول لحقوق الانسان والقيم الانسانية، وينبغي علينا أن نكون استباقيين." وشهدت أعمال عنف 2012 تحوّل ثنزار يي، ناشطة انضمت لوين في حملة الوردة البيضاء. وبنشأتها البوذية في مجمع عسكري حيث لم تكن لها علاقات كثيرة مع المسلمين، أشارت يي الى تملكها لمشاعر كراهية للاسلام عندما كانت طفلة، ولم تتحرر من هذه المشاعر الا بعد بداية تواصلها مع ناشطين شباب مؤيدين للديمقراطية من خلفيات مختلفة، وشعرت أن برمجة ذهنيتها بدأت بالتحوّل نحو احتضان التنوّع الديني.
مبادئ انسانية
يي حاليا بعمر 27 سنة، ومنشغلة بأنشطة الوئام بين الأديان، وبضمنها حملة الوردة البيضاء، منطلقة من ايمانها بمفهوم "المحب للطيبة"، والذي يمثل عقيدة مركزية للديانة البوذية. "الفلسفة حاضرة دوما، تقضي بحب كل انسان، ولا توجد استثناءات. ينبغي علينا مساندة التجمعات السكانية المتعّرضة للمخاطر لكونه مبدأ بوذيا أساسيا ... وكغالبية، علينا توظيف حريتنا للدفاع عن المهمشين."
أما الراهب البوذي المساهم في حملة الوردة البيضاء، ساياداو سينديتا، من بلدة باينوو لوين، فقد أشار الى مشاركته رغم علمه باحتمال استهدافه من قبل الرهبان المتشددين، البعض منهم هاجمه عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لأنه يريد "إظهار الوجه الحقيقي للبوذية" من خلال عرض التعاطف والاحترام للأديان الأخرى.
وتتناقض هذه المقاربة بشكل مطلق مع مجموعة الرهبان البوذيين التي ظهرت سنة 2011 كزعماء لحركة 969، التي أشاعت الذعر من الدين الاسلامي لكونه يمثل تهديدا وجوديا لهوية ماينمار البوذية، حسب وصفهم. وبعد حظر المجموعة سنة 2017، ظهرت مجموعة أخرى بسرعة بديلا عنها، يطلق عليها مؤسسة ضاما باراهيتا البوذية، متلقية منحا مالية بعشرات آلاف الدولارات من شخصيات عسكرية رفيعة المستوى. يقول سينديتا: "عبر ما مرت به البلاد من تغييرات سياسية، تم توظيف البوذية كأداة، واذا لم نقم نحن بالدفاع عن الأقليات الدينية أو التشارك معهم برسالة محبة الطيبة، فمن الممكن أن يؤدي ذلك الى تحطم الديانة البوذية."