صادق مجلسُ الأمة الكبير (البرلمان) في تركيا على مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة التركية، وحكومة الوفاق الوطني الليبية، الخاصة بترسيم حدود مناطق النفوذ البحرية، في خطوة أثارت غضب واعتراض دول مطلة على البحر الأبيض المتوسط عقب إعلان أنقرة أنها ستعزز جهود التنقيب عن الوقود شرقي المتوسط.
وقال فاتح دونمَز، وزير الطاقة التركي، قبيل المصادقة على مذكرة التفاهم: "ستبدأ مؤسساتنا التي سنمنح تراخيص لها (...) أعمالها بشأن استكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعي في مناطق النفوذ في إطار التفاهم".
تأييد تركي
وقال الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، إن مذكرة التفاهم ستحقق أهدافها طالما تحلت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بالصمود وظلت متماسكة.
ونقل بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، تصريحات لاردوغان في لندن قبل عودته من العاصمة البريطانية حيث حضر قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وقمة رباعية بشأن سوريا، قال فيها إن اليونان، ومصر، والإدارة الرومية في قبرص (قبرص اليونانية)، وإسرائيل منزعجة من التفاهم، وتحرض الاتحاد الأوروبي ضده.
وكذّب اردوغان الحديث عن عدم توافق مذكرة التفاهم مع القوانين الدولية، مؤكدا أن المذكرة تنسجم بالكامل مع القانون البحري الدولي.
ووصف فؤاد أوكتاي، نائب الرئيس التركي، مذكرة التفاهم بالتاريخية.
وقال أوكتاي، في كلمة خلال معرض لوزارة التجارة التركية بأنقرة، إن المذكرة من الإسهامات التركية المهمة لتحقيق السلام في شرق المتوسط.
اعتراضات ليبية
ورفض مجلس النواب الليبي (البرلمان) التابع لحكومة الشرق بقيادة العسكري خليفة حفتر مذكرة التفاهم مع تركيا.
وقال علي الصول، عضو برلمان طبرق: إن "الاتفاقية التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق غير قانونية، ولا يحق لتركيا أن تعقد أي اتفاقية مع أي طرف من الأطراف الليبية دون العودة لشرعية مجلس النواب".
وذكر الصول، في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية، أن محاولات تركيا غير القانونية للتفتيش عن الغاز ستكون لها عواقب وخيمة، ليس مع ليبيا فقط، ولكن مع الأطراف الأخرى التي يمسها الأمر ومن ضمنها قبرص واليونان".
وتحدث الصول عن رد عسكري محتمل، وعدم الصمت على "هذا التعدي الصارخ".
وقال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي المعارض لحكومة الوفاق، في مؤتمر صحفي: إن "المعركة أصبحت ضد الأطماع التركية في الأراضي الليبية"، مؤكدا أن "الجيش الليبي سيواجه بكل قوة الاتفاق الذي عقده فايز السراج مع تركيا والذي يهدد ثروة وسيادة ليبيا".
موقف قبرصي
ولجأت قبرص اليونانية، المعترف بها دوليا، إلى محكمة العدل الدولية.
وقال الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، إن اللجوء إلى المحكمة في لاهاي يهدف إلى حماية الحقوق السيادية لجمهورية قبرص، مشيرا إلى وجود صعوبات قد تواجه هذه المحاولة.
وأوردت وكالة الأنباء القبرصية قول أناستاسياديس: "لقد قلنا إننا سنستخدم كل سلاح شرعي وقانوني، وكل منتدى دولي، وكل منظمة دولية، للدفاع عن الحقوق السيادية لجمهورية قبرص، وإن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية هو لهذا الغرض".
وعلق الرئيس القبرصي على استلزام اللجوء لمحكمة العدل الدولية موافقة الجانبين بأن "هناك عملية معروفة يتم من خلالها إعلان نية بلد ما في اللجوء إلى المحكمة في لاهاي"، مضيفا "لقد قدمنا الإخطار المعني إلى السفارة التركية في أثينا ولم يتم قبوله، وتم إرساله عبر وسائل أخرى، وهناك دليل على تسلمه، وهذا يعطي الحق في اللجوء".
وأطلع رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس قبرص، في اتصال هاتفي على نتائج اجتماعه الأخير مع اردوغان لمدة ساعة ونصف الساعة على هامش قمة الناتو. وكان ميتسوتاكيس قد صرّح بأنه ناقش مع أردوغان "جميع المسائل النابعة عن التحركات التركية خلال الآونة الأخيرة". وبينما عدّ الاتفاقية التركية مع الوفاق الليبية "تنتهك القانون الدولي، ولا تنسجم مع مبدأ الناتو بشأن التعاون" عبر عن انتظاره من الجيران "احترام حقوق السيادة اليونانية، عبر تجنب الممارسات والتصريحات التي تجرّ علاقات الجوار والأمن الإقليمي إلى الخطر"، طبقا لوكالة الأنباء الرسمية التركية.
وأعلنت وزارة الخارجية اليونانية عزمها طرد السفير الليبي من أثينا.
وعبّر الاتحاد الأوروبي عن تضامنه مع اليونان وقبرص اليونانية، مطالبا تركيا باحترام سيادة جميع الدول الأعضاء فيه.
ويشتد منذ أشهر خلاف بين تركيا وقبرصها، من جهة، واليونان وقبرصها، من جهة ثانية، بشأن ملكية الوقود الاحفوري في شرق البحر المتوسط. وتطالب تركيا بحصة القبارصة الأتراك في موارد هذه المنطقة من الطاقة، وقد نشرت سفن حفر وتنقيب هناك، رافضة اتفاقات حكومة قبرص اليونانية، بشأن المناطق البحرية الاقتصادية، مع دول أخرى تطل على البحر المتوسط.
مستجدات سوريا
وفي المسألة السورية، أعلن اردوغان أن اسطنبول ستستضيف النسخة الجديدة من القمة الرباعية بشأن سوريا.
وعقد اردوغان، الثلاثاء الماضي، قمة مع الرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني، والمستشارة الألمانية، على هامش قمة الناتو في لندن.
وقال اردوغان: "قررنا عقد القمة الرباعية مرة في الأقل كل عام، والقمة الثانية ستعقد في إسطنبول خلال شباط المقبل".
وكان الرئيس التركي يأمل حصول خطة تركية لبناء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا بتمويل الحلفاء في الناتو، ولكن يبدو أن ذلك لم يتحقق.
وأفاد بأن "عدم مبالاة الدول بهذا الخصوص ما زالت مستمرة"، متحدثا عن تفكير تركيا ببدء أعمال بناء مدينة للاجئين بين تل أبيض ورأس العين، المنطقتين اللتين انتزعت السيطرة عليهما في العملية العسكرية الأخيرة ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والتنظيمات المتحالفة معها.
ووافق الرئيس التركي على خطة حلف الناتو للدفاع عن دول البلطيق وبولندا على الرغم من تشديده، قبل القمة، على أنه لن يوافق على الخطة، ما لم يعترف الحلف بأن التنظيمات التي تقاتلها تركيا في سوريا إرهابية.
وقال اردوغان: "طلب الحلف دعما منا، وكان ردنا بالإيجاب، غير أننا أخبرناهم بألا يتركونا وحدنا في الحرب ضد الإرهاب".
وتعد تركيا الحامية الجنوبية لحدود حلف الناتو، وتطالب أعضاء الحلف، باستمرار، بدعمها ضد التهديدات.
وقال فخر الدين ألتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عبر تغريدة على تويتر: إن "التهديدات التي نواجهها من أكثر من منظمة إرهابية دولية هي في الوقت نفسه تهديد للناتو؛ لذلك يجب أن نكون جميعا في جانب واحد في العديد من الموضوعات البسيطة كمسألة تصنيف تنظيم إرهابي معين".