الرؤية الصينية تسعى لتحقيق السلام الدائم

بانوراما 2019/12/07
...

لي زيشين* 
عانت منطقة الشرق الأوسط منذ زمن طويل من ويلات الحرب والفوضى، حيث تتوالى الحروب بين الدول والصراعات الجزئية، وينشط فيها التطرف والإرهاب بلا رادع ولا وازع، الأمر الذي يعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بشكل كبير. على الرغم من أن دول الشرق الأوسط تمتلك الموارد الوافرة، غير أنها لا تزال تعاني من "عجز التنمية" و"عجز الأمن" 
الشديدين.
هناك أسباب كثيرة أدت إلى "العجز الأمني" في الشرق الأوسط، بما فيه الاستعمار والصراع بين القوى العظمى والخلافات العرقية والنزاعات المذهبية والصراع على الطاقة، وهي تشكل مخاطر كامنة لأمن 
المنطقة. 
في حقبة الحرب الباردة، كسرت الصراعات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التوازن الأمني الهش في المنطقة مرة تلو أخرى، وكثرت التحالفات العابرة داخل وخارج المنطقة، ويكاد الهيكل الأمني للشرق الأوسط ينهار بسبب عقلية لعبة صفرية المحصلة. بعد حرب الخليج، أصبحت الولايات المتحدة، بالاعتماد على حلفائها، القوى العظمى الوحيدة التي تسيطر على الشرق الأوسط، وتمكنت من بسط استقرار مؤقت في المنطقة بواسطة 
الهيمنة. 
لكن في مطلع القرن الـ21، أوقعت الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق الشرق الأوسط في اضطرابات مستمرة مرة أخرى، حيث انتهجت إدارة بوش الابن استراتيجية الضربة الاستباقية وقامت بتدخلات سافرة وأحادية الجانب في الشرق الأوسط، وفرضت ما يسمى بـ"مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير"، الأمر الذي دمر المنظومة الأمنية القديمة في الشرق الأوسط بشكل كامل. 
ثم سعت إدارة أوباما لإخراج الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط باستراتيجية "البصمة الخفيفة"، حيث سارعت بتنفيذ الانكماش الاستراتيجي، مما ترك فراغا أمنيا ضخما في الشرق الأوسط. 
وزادت التغيرات الهائلة في الشرق الأوسط منذ عام 2011 حدة الأزمة الأمنية في المنطقة. بسبب تشرذم الخريطة الجيوسياسية وعجز حكومات عدة عن إدارة أراضيها، تنامى تنظيم "الدولة الإسلامية" بسرعة تفوق توقعات المجتمع الدولي وأدى إلى خسائر فادحة لا تقدر للشرق الأوسط والعالم بأسره. 
لغاية اليوم، لم تنته الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط ولم تُحل تهديدات الإرهاب بشكل فعال، ما يزيد الأمر سوءا هو سياسة النفعية القصوى التي تنتهجها إدارة ترامب التي تدفع الوضع للانزلاق نحو حالة الانفلات بشكل سريع.
إن الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط لا يمثلان رغبة دول الشرق الأوسط فحسب، بل الهدف المشترك للمجتمع الدولي. ليست الصين متفرجة على قضية أمن الشرق الأوسط، بل وهي شريك التعاون الموثوق به لدول الشرق الأوسط. 
إن قضية فلسطين القضية الجذرية للسلام في الشرق الأوسط، وتمثل التسوية لقضية فلسطين طريقا مهما لتحقيق العدالة والإنصاف في الشرق الأوسط. تدعم الصين الجديدة منذ تأسيسها وبكل ثبات المطالب المشروعة والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبذلت جهودا دؤوبة ومستمرة في سبيل دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. ستواصل الصين الوقوف إلى جانب العدالة وإحقاق الحق والنصح بالتصالح والحث على التفاوض والدفع بتنفيذ كافة الاتفاقيات المتفقة عليها بين مختلف الأطراف.
إن الوضع الأمني الراهن في الشرق الأوسط معقد وحساس للغاية، وتتعرض المنظومة الأمنية للمنطقة لمخاطر "التشرذم"، في حين تواجه الحوكمة الأمنية في المنطقة سلسلة من المشكلات التي تضع عقيدتها وآليتها وأهدافها على المحك. إن المفاهيم الأمنية القديمة المتمثلة في عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية والهيمنة قد عفا عليها الزمن، بل ستزيد الوضع تفاقما. 
في ظل التغيرات الكبيرة التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، طرحت الصين مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام ودعت إلى تكريس وصيانة المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد "ميثاق الأمم المتحدة"، سعيا لتحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط.
-- الحفاظ على العدالة والإنصاف وتحقيق الأمن المشترك. 
إذا غابت العدالة، لن تأتي الاتفاقات إلا بسلام بارد ومؤقت. لا تنفصل الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط عن فقدان العدالة والإنصاف. 
فلا يمكن تقسيم أمن المنطقة ولا يوجد ملاذ آمن في المنطقة. يجب على جميع الدول بذل جهود مشتركة على أساس مبدأ المساواة والاحترام. 
لا يمكن لأي دولة أن تكسب الاستقرار من الفوضى في الدول الأخرى، وقانون الغابات ليس الطريق الصحيح للتعايش بين الدول. إن السعي وراء الأمن المطلق والمنفعة القصوى لنفسه يؤدي دائما إلى تفاقم الوضع الأمني، وشأنه شأن مَن يرفع الحجر ليسقط على قدميه.
-- تعزيز التشاور والحوار وتكريس التسامح والثقة المتبادلة. لا يمكن تحقيق الأمن الدائم إلا من خلال التشاور المتساوي والحوار السياسي الشامل. 
لا تُحل المشاكل بالقوة العسكرية، ولا يتحقق الأمن الدائم بعقلية لعبة صفرية المحصلة. رغم أن عملية الحوار والتشاور تستغرق وقتا طويلا ودائما تتعرض لانتكاسات، غير أن الحوار الشامل يوفر البيئة الأمثل لبلورة الثقة المتبادلة التي تعتبر أهم مقدمة وأساس لتثبيت إنجازات السلام وتوسيع التعاون المحتمل. 
في الوقت الحالي، يرغب جميع دول الشرق الأوسط في وقف أعمال العنف وإطلاق مفاوضات السلام، فيجب على دول خارج المنطقة العمل على النصح بالتصالح والحث على التفاوض، بدلا من صب الزيت على النار.
- تعزيز التعاون المتعدد الأطراف وتحقيق التنمية المستدامة. قد أثبت التاريخ أن نزعة الأحادية عاجزة عن تسوية قضية الأمن في الشرق الأوسط، بل ستزيد الوضع توترا. تنتهج بعض دول خارج المنطقة سياسة النفعية القصوى في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها الذاتية، حيث تنسحب من الاتفاقيات والتحالفات وتفرض  الضغوط القصوى والاختصاص الطويل الذراع، مما وضع عقبات عديدة أمام الحل السلمي للأزمات. 
يجب على كافة دول داخل المنطقة وخارجها الالتزام بالتعاون المتعدد الأطراف وتعزيز السلام عن طريق التعاون وتعزيز التنمية عن طريق السلام، وصولا إلى التفاعل الإيجابي للأمن والتنمية في الشرق 
الأوسط.
إن الصين دولة كبيرة ومسؤولة وصديق موثوق به لدول الشرق الأوسط. ستلتزم الصين كالمعتاد بمفهوم العدالة والإنصاف والاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك، وتعمل يدا بيد مع دول الشرق الأوسط على تقديم إسهاماتها في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. 
كما قاله الرئيس شي جينبينغ، "إن الصين تحرص على العمل سويا مع دول المنطقة لصيانة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والدفاع عن العدالة والإنصاف ودفع التنمية المشتركة والاستفادة المتبادلة كصديقين حميمين"، بما يساهم بالحكمة الصينية في تحقيق السلام الدائم والتنمية في الشرق الأوسط.
 
*باحث مساعد بالمعهد
 الصيني للدراسات الدولية