قونغ تين*
يعد الشرق الأوسط أحد المهود المهمة للحضارة البشرية وهمزة الوصل بين القارات الثلاث والبحار الخمسة، غير أنه عانى كثيرا من ويلات الحروب والاضطرابات الأمنية التي ترجع بالأساس إلى التجاذبات بين القوى العظمى والنزاعات العرقية والدينية، إضافة إلى نشاطات القوى المتطرفة.
يكمن المخرج الأساسي لقضية أمن الشرق الأوسط في التنمية. تسعى المنطقة إلى الاستقرار والتنمية باعتبار ذلك التيار السائد والرغبة لشعبها، بينما تدعو الصين إلى التنمية السلمية وإقامة علاقات دولية يسودها السلام والاستقرار والتعاون والكسب المشترك، فمن المبين أن هناك توافقات كثيرة بين الجانبين من حيث المفهوم والرؤية.
منذ ولادة مبادرة "الحزام والطريق" التي تلتزم بمبادئ التشاور والتعاون والمنفعة للجميع، زاد التوافق بين الصين والشرق الأوسط حول الرؤى والخطوات التنموية في المنطقة.
يعمل الجانبان على تعزيز المواءمة بين مبادرة "الحزام والطريق" والاستراتيجيات التنموية في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيساهم في تمتين أسس التنمية الطويلة الأمد للشرق الأوسط وتعزيز الفهم المتبادل بين
الشعبين.
لا تتمتع الصين والشرق الأوسط بقواسم مشتركة واسعة في مفهوم التنمية فحسب، بل بصفات تكاملية عديدة في البنية والحاجات الاقتصادية. في السنوات الأخيرة، حققت الصين والشرق الأوسط العديد من الإنجازات الملموسة في دفع المواءمة الاستراتيجية والتعاون العملي.
أوضح الرئيس شي جينبينغ طبيعة مبادئ التشاور والتعاون والمنفعة للجميع بشكل مستفيض خلال حضوره للدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي عام 2014 وزيارته إلى مقر جامعة الدول العربية عام 2016، وطرح مبادرة التعاون الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق". في عام 2018، اعتمدت الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي "الإعلان التنفيذي الصيني العربي الخاص ببناء الحزام والطريق"، وأكد الجانبان فيه على الشراكة الطبيعية بينهما في بناء "الحزام والطريق"، قد وقعت الصين وثائق التعاون لبناء "الحزام والطريق" مع 18 دولة عربية، وانضمت 7 دول عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كأعضاء مؤسِّسة، كما تقدّم التعاون بين الجانبين في مجالات البنية التحتية والقدرة الإنتاجية والطاقة والمالية بخطوات
متزنة.
في هذا السياق، قامت الصين وإيران بتوظيف المزايا لكل منهما وحققتا إنجازات عديدة في مجالات الطرق والبنية التحتية والطاقة. كما وقعت الصين مع تركيا مذكرة تفاهم بشأن المواءمة في إطار المبادرة في عام 2015، مما جعل التعاون بينهما في مجاليْ القدرة الإنتاجية والبنية التحتية مقبلا على آفاق واعدة، بما فيه المرحلة الثانية من مشروع السكك الحديدية الفائقة السرعة بين أنقرة وإسطنبول باعتباره أول سكك حديدية فائقة سرعة تقاولها الشركات الصينية خارج البلاد. وتتبنى إسرائيل موقفا إيجابيا من المشاركة في "الحزام والطريق"، وقاولت الشركات الصينية فيها العديد من مشاريع البنية التحتية، وأقيمت "علاقات الشراكة الشاملة للابتكار" بين البلدين.في الدورة الثانية من منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي، حققت الصين ودول الشرق الأوسط تقدمات جديدة في زيادة تعميق التعاون المتبادل المنفعة. حضر المنتدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونائب الرئيس رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وغيرهما من القادة؛ أشار البيان المشترك الصادر عن اجتماع المائدة المستديرة للمنتدى إلى ضرورة تعزيز المواءمة بين السياسات التنموية، وأكد على الفرص التي أتت بها الجامعة العربية واستراتيجية طريق الحرير بدبي وغيرهما من المبادرات وأطر التعاون؛ تم إبرام "مبادئ الاستثمار الأخضر في إطار الحزام والطريق" بين الصين والإمارات وغيرها من الدول والمؤسسات المالية الرئيسية في المنطقة، في هذا السياق، استثمر صندوق طريق الحرير الصيني في مشروع المحطة الكهروضوئية بدبي، وقامت الشركات الصينية باستثمار وبناء مشروع "الحزام والطريق" للتجمع التجاري واللوجستي بدبي؛ أقامت الصين آلية "طريق الحرير البحري" لتعاون الموانئ مع مصر والإمارات وغيرهما من 13 دولة؛ أقامت الصين علاقات الشراكة في إطار "الحزام والطريق" مع العراق والكويت وتركيا وغيرها من 28 دولة للتعاون في مجال الطاقة؛ كما وقعت الصين وإسرائيل على وثائق التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار. استشرافا للمستقبل، تتمتع الصين والشرق الأوسط بإمكانية كامنة هائلة في تعزيز المواءمة الاستراتيجية وتعميق التعاون العملي وتحقيق الكسب المشترك، وهما مقبلان على آفاق
رحبة.
*باحثة مساعدة بالمعهد
الصيني للدراسات الدولية