بدأ باسم عبد الحميد حمودي حياته الادبية قاصا، ثم ناقدا فاصدر كتابه الرائد (في القصة العراقية) ، و ( رحلة مع القصة العراقية) وغيرها من المؤلفات النقدية في نقد القصة والرواية والشعر، ورأس تحرير مجلة الاقلام، ثم اتجه الى الموروث الشعبي فرأس تحرير مجلة (التراث الشعبي)
وقدم العديد من التصانيف والدراسات في هذا الميدان، منها (الزير سالم) و (تغريبة الخفاجي عامر العراقي) و(التراث الشعبي والرواية العربية الحديثة) ، وآخرها (سحر الحقيقة، شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي ) الذي صدرت طبعته الاولى عام 2000م، وقد ركز الباب الثاني من الكتاب حول السحر والافكار الشعبية التي تتناوله، فوضعه تحت عنوان (في المعتقد الشعبي: السحر وسيلة الخرافة الى الحقيقة) ، مما جعله الموضوع المركزي الذي ينسجم مع عنوان الكتاب (سحر الحقيقة)
ولابد من الاعتراف بان الكاتب قد توافر على مجموعة مهمة من المصادر والمراجع التي تتناول السحر وهذا بحد ذاته منح الكتاب قوته، والموضوع حدته، والاحالات صدقها وصوابها وجمالها، فهو موضوع شائق، ومؤثر، وله علاقة بحياة الانسان، وما زال الناس على مختلف طبقاتهم وتحضرهم يهتمون بالسحر ويقرؤون ما يكتب عنه، ويخشونه، مع انه جزء لا يتجزأ من حياتهم، وان الكثير من افكارهم مرتبط به، لان السحر جزء من ترسبات ثقافة الانسان البدائية التي وظفت نفسها لان تبقى خالدة على مر العصور ومن هنا كان اختيار الكاتب لعنوان كتابه موفقا يستحق عليه ان يسمى (ساحرا) والسحر ثقافة وتصور وربما اعتقاد وممارسة يتعلق بالعمل والخوف ويتعلق بالرزق والغنى والفقر، ويتعلق بالخير والابداع والامل، فهو التعبير الحقيقي عن الحضارة والتخلف في آن واحد؛ وما زال العالم الغربي على الرغم من غناه الحضاري يميل اليه، ويعتقد بطروحاته، فليس عيبا ان يفتح الكاتب هذه النافذة في زمن التراجع الحضاري
في العراق.
كتب باسم حمودي لهذا الباب من كتابه بمقدمة تحت عنوان (مقدمة في تاريخ السحر قديما وحديثا) لتكون توطئة لدراسة هذا الموضوع الحيوي الآخاذ القادر على السيطرة على الباب الناس وفكرهم وهي مقدمة عبرت عن حقيقة مفادها ان السحر موضوع قادر على التسلل الى حياتك متى شاء، مشيرا الى قدرة السلطة على تطويع السحر لصالحها، مع اطلالة على ما طرحه حول بنية السحر للكاتب الفلكلوري العالمي فريزر في كتابه (الغصن الذهبي) في ان السحر يقوم على مبدأين هما: السحر الاتصالي، فاشار الى انواع السحر (السلبي والايجابي) والاول يسمى العدواني والاسود، والثاني يسمى الابيض؛ مما يعني فكرة
ازلية.
ان فكرة العلاقة بين الانسان والسحر هي فكرة ازلية لانها تتعلق بمصلحته الشخصية وحياته الاجتماعية ومستقبله الذي ينتظره، فما زال الكثير من الناس يلبسون الخواتم وهم يعتقدون بانها توفر لهم حظا سعيدا في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومازال الزواج معلقا لدينا بالحظ والنصيب، والباحث حاول ان يعود الى جذور السحر وانعكاساته على حياة الناس في وقتنا
الحاضر. لهذا يقول الباحث: (فما يعد سحرا خارجا عن المألوف لدينا هو مجرد جزء من النظام الكوني الذي يحكم البشر في تلك المجتمعات، والساحر جزء من هذه المجتمعات وله دوره المهم وتأثيره الحيوي فيها بوصف السحر جزءا من النظام الديني – الاجتماعي، لكن السحر يتجه الى العمل عموما ضد العدوان الخارجي، العدوان المعادي لعموم القرية) (سحر الحقيقة، دار الشؤون الثقافية العامة) ، بغداد 2000م: ص112
من هنا يعد موضوع السحر مادة متجددة قادرة على ترميم وجودها باستمرار مهما تقدم العلم الذي يضاهيها ويحاول ان يشتت وجودها. ومن هنا برزت قدرة الكاتب في ترويض الفكر السحري القديم لقراءة واقع ثقافي
معاصر .