الكلمات العنصرية في الترجمة المعاصرة

بانوراما 2019/12/08
...

اليزابيث جرينر 
 
 
 
هل يمكن لنسخة ألمانية من كتاب ما أن تكون أكثر ملائمة "سياسيا" من نسخته الأصلية؟ هذه الجدلية جزء من التحديات التي يواجهها المترجم المعاصر عند تحديث كلاسيكيات الأدب. انها جدلية تثار عند كل مرة يتم فيها طباعة نسخة "منقحة" من كلاسيكيات الادب؛ فهل يجدر ازالة التعابير الصادمة والمهينة من تلك الكتب، أم يجدر تركها كما هي؟  
من الامثلة المشهورة على ذلك الأمر في ألمانيا هي الطبعة الجديدة من سلسلة كتب الأطفال "بيبي طويلة الجوارب-Pippi Longstocking " للمؤلفة السويدية "أستريد ليندغرين". جاء في كتاب "بيبي في البحار الجنوبية" (بطبعته الأولى سنة 1948) وصف والد الشخصية الاساسية بأنه.. "ملك زنجي". لكن طبعة سنة 2009 الألمانية الجديدة غيرت الوصف الى "ملك بحار الجنوب". كانت الطبعة الانكليزية الأولى للكتاب سنة 1950 قد تجنبت استخدام المصطلح الأصلي ووصفته بأنه.. "ملك آكلي لحوم البشر"؛ وهو تصرف تفادى المصطلح المهين، لكنه رسم بوضوح شكلا آخر من الصور النمطية المسبقة. 
 
"هاكيلبيري فين" الخاطئ سياسيا
خلال العام 2011 ظهرت نسخة انكليزية جديدة من رواية "هاكيلبيري فين" للكاتب "مارك توين"، وفيها جرى التخلص من كلمة "الزنجي" (التي تكررت 219 مرة في النسخة الأصلية المطبوعة سنة 1884). وفيما يمكن فهم أسباب هذا التغيير؛ فانه (كما كتب "بيتر ميسنت" خبير تحليل كتب مارك توين).. "يعد خيانة لرواية عظيمة تناهض العنصرية". وتوصل الكاتب والمترجم الألماني "أندرياس نول" الى نتيجة مشابهة؛ إذ أبقى مصطلح " الزنجي جيم" في ترجمته الألمانية سنة 2010 للكتاب. يشير أندرياس (الذي تخصص منذ ذلك الحين بتقديم ترجمات جديدة للكلاسيكيات العالمية؛ من أعمال "برام ستوكر" الى "روبرت لويس ستيفنسون"، ومن "روديارد كيبلينغ" الى "جاك لندن") الى أنه كان دائما يُضمّن عمله هوامش، وأن مصطلحات مهينة مثل كلمة "زنجي".. "قد جرى تعريفها بوضوح على أنها عنصرية".. كما أن نول يشير أن رواية "هاكيلبيري فين" كانت في وقت طبعتها الأولى "غير صحيحة سياسيا" فعليا. ورغم ذلك والاستخدام الاستفزازي للافتراءات العنصرية؛ ينظر الاكاديميون عموما الى رواية مارك توين بانها مناهضة
 للعنصرية. 
 
اعادة النظر بالتاريخ الثقافي
يعمل نول اليوم على ترجمة رواية "ذهب مع الريح" مع زوجته "ليات هاملهيبير"؛ التي لا يتم اعتبارها دائما "مناهضة للعنصرية". ظهرت الطبعة الأولى لرواية "مارغريت ميتشيل" تلك (التي فازت بجائزة بولييتزر وحققت اعلى المبيعات) سنة 1936، وتدور أحداثها في ولاية جورجيا الأميركية الجنوبية خلال الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865) وحقبة اعادة الإعمار (1865-1877). بقيت رواية "ذهب مع الريح" (التي تحولت الى فيلم حاز جوائز الأوسكار) ذات شعبية كبيرة حتى اليوم، وأظهر استطلاع للرأي أُجري سنة 2014 أنها تحتل المرتبة الثانية لدى القارئ الأميركي (بعد الانجيل). لكن العديد من النقاد لاحظوا حنين الرواية الى العبودية، وفي وقت تنهار فيه صروح الكونفدرالية في جنوب الولايات المتحدة؛ تدور جدلية عن كيفية التعامل مع صرح الثقافة الشعبية ذاك في وقتنا الراهن. 
وفقا لتفسير "نول" فان رواية "ذهب مع الريح" ليست مناهضة للعنصرية؛ لكنها كذلك ليست بالرواية العنصرية؛ قائلا: "انها تصف حقبة من العنصرية، وهذا أمر مختلف تماما"، ويرى أنها عمل أدبي يستحق ترجمة جديدة الى الألمانية، قائلا: "انها بلا شك واحدة من أكثر الاعمال تأثيرا في أدب الترفيه العالمي الى يومنا هذا". يرغب نول بتحديث لغة الترجمة في النسخة الألمانية المعاصرة ليعكس تلك الحقيقة بشكل أفضل؛ وفي هذه الحالة جرى تغيير كلمة "الزنوج" المستخدمة في ترجمة سنة 1937 بكلمة "سود" أو "عبيد". لكن في نهاية المطاف يقول نول  : إن السياق التاريخي الذي كتبت فيه تلك الكتب لا يمكن تغييره: "نحن لسنا شرطة اللغة الذين كتب عنهم "جورج أورويل"، ولا يمكننا اعادة كتابة العالم بأسره من جديد". ولو كان الحال هكذا فلن يبقى الكثير في الأعمال الادبية الشهيرة اذا قدمناها بترجمة جديدة صحيحة سياسيا. 
 
التعامل مع الكلمات العنصرية 
تعمل المترجمة "ميريام ماندلكوف" على اعادة ترجمة أعمال أحد أقوى الاصوات الأدبية للأميركان- الافارقة: "جيمس بولدوين". ومن بين العناوين التي نُشرت بالفعل ترجمة جديدة بالالمانية لروايته الأولى المنشورة سنة 1953: "اذهب وقلها على الجبل" و"النار في المرة القادمة"؛ وهي مجموعة مقالات مؤثرة صدرت سنة 1963 عن دور العرق والدين في التاريخ الأميركي. وعلى خلاف الترجمة الأولى التي نشرت خلال الستينيات؛ تجنبت المترجمة استخدام كلمة "الزنوج" بالالمانية، إلا عندما كان بولدوين ذاته يعطي معنى سياسيا للكلمة حينما يشير اليها بوصفها اهانة يستخدمها البيض؛ طالما أن كلمة "أسود" لا تقدم جميع دلالات كلمة "الزنجي" كما تقول المترجمة. وتمضي لتشرح مقاربتها باستفاضة (في كلمة ختامية ضمن ترجمتها الصادرة سنة 2019) قائلة: "أي ترجمة معاصرة تواجهها كلمة "زنجي" لايمكنها تجنب ملاحظات المترجم". بالرغم من مقاربتها المتأنية؛ تعرضت المترجمة للنقد حتى لذكر كلمة "زنجي" في سياق شرحها لكيفية معالجتها أثناء الترجمة! ردود الفعل القوية تلك دفعت المترجمة وزميلها "انغو هرتسيك" لتنظيم مناقشة بعنوان: "الكلمات العنصرية والفجوة بين الجنسين: ما مدى صحة الترجمات سياسيا؟" في معرض فرانكفورت للكتاب (المنعقد بتاريخ 17 أكتوبر 2019). 
مشكلة "العِرق" 
ربما لا تبدو بعض المصطلحات مهينة باللغة الانكليزية؛ لكنها تخلق مشكلة بالالمانية؛ ومصطلح "العرق- Race" واحد منها. يقول "انغو هرتسيك": "نحن في ألمانيا لا نميل للثقة بهذا المصطلح؛ إذ أن تجاربنا مع تلك التقسيمات ((العرقية)) كانت سلبية مئة بالمئة". طالب علماء ألمان من جامعة جينا في أيلول الماضي بالتوقف عن استخدام مصطلح "العرق"؛ إذ لا توجد أسس بايولوجية لمثل هذا التصنيف.  
عملت "ميريام ماندلكوف" أيضا على ترجمة كتاب المؤلف الأميركي المعاصر "تانيهيسي كواتيس" الأكثر مبيعا: "بين العالم وبيني" الصادر سنة 2015؛ الذي يتناول العلاقات العرقية في الولايات المتحدة.. لذا تقول أن المصطلح الألماني "Rasse" (= العرق، أو التفرقة والتمييز على أساس العرق. المترجمة) لا يمكن ببساطة أن يكون ترجمة ((مقبولة)) دون  إحاطته بخطين مائلين "//"، أو تقديمه بشارحة "-"، أو مناقشته في حاشية الصفحة. 
 
اعتماد المصطلحات الانكليزية بديلا
مؤخرا نشرت د. "ميثو سانيال" المختصة بالدراسات الثقافية، مقالة بدت مناقضة للفكرة السابقة، بعنوان: "فجاة أصبح من الجيد أن تكون ألمانيا وتتحدث عن العرق". جاء في المقالة: "المصطلح الألماني للأشخاص الملونين هو- "الملونون"؛ ولا يوجد لدينا فعليا كلمة أخرى له". تستطرد سانيال أن استخدام مصطلح "الملونين" في ألمانيا يعني مبدأ لا يمكنه أن يترجم (مئة بالمئة) وصف تجربة البلد الخاصة في التفرقة والتمييز ما قبل الحرب؛ وهو تمييز استهدف ما يسمى بالعاملين الضيوف من تركيا، ثم من بولندا أو ايطاليا أيضا، قائلة: "لايزال النقاش حول العنصرية في ألمانيا في مهده، مقارنة بمثيله في الولايات المتحدة وعالم اللغة الانكليزية". كما ترى أن ألمانيا بحاجة لنقاشات أكثر حول الموضوع، يشرك فيها الجمهور. 
 
سياسة دور الأجناس في الترجمة
من المواضيع الرئيسة بالنسبة للمترجمين الألمان- كيفية ترجمة مصطلحات تصف مجاميع من الناس بصورة دقيقة؛ إذ لو تحدث النص الانكليزي عن "ناشطين" دون الحاجة للتدقيق عمن يشمله الأمر، سيكون على المترجم الالماني أن يقرر كيف ستبدو تلك الكلمة في شمولها أشخاصا من كلا الجنسين. هناك الآن عدة خيارات متنوعة؛ منها- تأنيث المصطلح الذي كان سيُكتب عادة بالصيغة المذكرة.. يقول "انغو هرتسيك": "يفتح الموضوع جدلا في المشهد الأدبي الألماني، ويثير ردود فعل شديدة تكاد تكون فيزياوية..!". يمضي هرتسيك قائلا: "باستطاعة الجمهور تفهم أن مثل هذه الاستخدامات اللغوية تُكتب لأسباب ديمقراطية- اجتماعية؛ لكن لا يمكنهم تصورها في النصوص الأدبية لأنهم يشعرون أنها قبيحة". ثم يؤكد.. "من المفهوم أنه لا توجد أجوبة واضحة لكل تلك الأسئلة؛ فهذه عملية تفاهم متبادل تتطور باستمرار.. أنا مناصر للمناطق الرمادية وليس للقواعد أو الحظر".. فهو الأدب (على كل حال)؛ ولا يمكن البدء بتطبيق المعايير الصناعية عليه.. 
 
 
موقع "دويتشه فيله" الالماني