حمزة مصطفى
الأسبوع الماضي صوّت البرلمان على قانون جديد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات. التصويت كان بالإجماع. القانون الجديد ألغى جملة وتفصيلا الطريقة التي كان يجري فيها في السابق اختيار المفوضية التي تسمّى "المفوضية المستقلة العليا للانتخابات" والتي كانت تجري عبر ترشيح عبر الأحزاب والقوى النافذة في العملية السياسية. هذا يعني أنّ البرلمان الحالي قام بإلغاء القانون الذي درجت عليه الحياة النيابية في العراق منذ أول دورة برلمانية في العراق الديمقراطي بعد عام 2003 وبالتحديد منذ بدء عام 2006.
صحيح أنّ الذي حصل كان بضغط من الشارع المنتفض منذ أكثر من شهرين. وصحيح أنّه لولا الضغط الجماهيري الهائل لما اضطرت الأحزاب والقوى النافذة الى التنازل عمّا حققته من مكاسب وامتيازات ونفوذ على مدى الـ 16 عاما الماضية. وصحيح أنّ الانتخابات المقبلة والتي سوف تكون انتخابات مبكرة سوف تؤدي الى إقصاء العديد من القوى والأحزاب وحتى الشخصيات من المشهد السياسي، وتعيد الكثير من القوى والأحزاب والشخصيات الى حجومها الحقيقية قبل أن تنتفخ بسبب أفضال قانون "سانت ليغو" الذي لعب "لعب الخضيري بشط" في الحياة البرلمانية والسياسية في البلاد طوال الفترة الماضية. في مقابل ذلك فإنّه وأيّا كانت الأسباب والدوافع فإنّ البرلمان الحالي بدأ يستجيب لجوهر مطالب المتظاهرين على صعيد عمل البرلمان ودوره الذي هو التشريع والرقابة. ربما يعترض الكثيرون على ذلك بالقول إن البرلمان هو في النهاية جزء من النظام السياسي الذي هو موضع إدانة من قبل المتظاهرين، لكن في مقابل ذلك لا بدّ من فرز المواقف حتى لاتختلط الأوراق على الجميع. فإذا كان هدف التظاهرات والاحتجاجات هي تغيير النظام السياسي برمته وقلب المعادلة السياسية بالكامل فإنّ أيّة إجراءات أو إصلاحات مهما بدت جديّة تبقى بعيدة بمسافة كبيرة عن الهدف النهائي.
لكن إذا كان من بين الأهداف المطلوب تحقيقها هي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ومن خلال حكومة جديدة فإنّ مؤشرات ذلك بدأت تتوضح. فالحكومة استقالت وفي غضون شهر تقريبا لا بدَّ أن تكون هناك حكومة جديدة.
وطالما أنّ الدعوة الى انتخابات مبكرة بدأت تنضج وهو ما أعلنه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي نفسه بعد إقرار قانون مفوضية الانتخابات، فإنّ أسس نجاح هذه الانتخابات التي من شأنها تغيير المعادلة السياسية بصورة إيجابية الى حد كبير هي مفوضية مستقلة فعلا وهو ماستحقق وفقا لهذا القانون، وقانون انتخابات عادل ومنصف وهو ماتجري مناقشته داخل قبة البرلمان ومن المتوقع إقراره هذا الأسبوع. إذن هناك متغيرات لا بدّ أن تؤخذ بنظر الاعتبار بوصفها تغييرا في جسم النظام السياسي وليس على مستوى الإجراءات فقط عبر ماتسمى بحزم الإصلاح. فقانون جديد لمفوضية الانتخابات يعالج أحد عيوب التأسيس للنظام السياسي الحالي وهو المحاصصة التي بنيت عليها المفوضية التي تعطي الأرجحية لهذا على حساب ذاك، الأمر الذي أدى الى تشويه الديمقراطية في البلاد. كما أنّ إقرار قانون صحيح للانتخابات سوف يصحح عيبا تأسيسيا آخر من عيوب تأسيس نظام مابعد عام 2003. والواقع أنّ هذا ماكان يمكن أن يحصل لولا التضحيات الجسيمة التي سوف تفتح الباب أمام مشاركة أوسع بكثير للشباب الذين نجحوا في فرض معادلة التغيير نحو الأفضل.