محمد شريف أبو ميسم
بات الاعتماد على التقانات الحديثة في الصناعة المصرفيَّة أمراً مفروغاً منه لتحقيق جملة من الأهداف التي يقف في مقدمتها الارتقاء بجودة الخدمة وتحقيق رضا الجمهور، واختزال حلقات الترهل التي عادة ما توفر بيئة رطبة لنمو طفيليات الفساد وغسل الأموال، فضلاً عن رغبة الارتقاء بالعمل المصرفي لمواكبة تطور الأداء في الصناعة المصرفيَّة العالميَّة، بهدف ضمان بيئة جاذبة لتدفق الرساميل الأجنبيَّة.
بيد أنَّ الشروع بأتمتة العمليات المصرفيَّة في ظل بيئة اقتصاديَّة تعاني من اختلالات عديدة، ناجمة عن سلسلة من التراكمات التي ورثناها عن مرحلة النظام الشمولي وإرباكات المرحلة الانتقاليَّة التي كرست ما يسمى بالاقتصاد النقدي (Cash Economy) والذي غلبت عليه مساحة السوق الموازية، يحتاج الى إجراءات جادة تسهمُ في دعم محور إدخال التقانات من أجل إعادة الثقة مع الجمهور وتشجيعه على التداول والتبادل في ساحة العمل المصرفي، وبالتالي سحب الكتلة النقديَّة الى ساحة التداول المصرفي، والتي يقدرها البنك المركزي بنحو 70 بالمئة من النقد الصادر، من أجل النهوض بدور هذا القطاع في خلق تنمية حقيقيَّة.
ومن هنا كانت ضرورة تأسيس الشركة العراقيَّة لضمان الودائع، التي أعلن عن تشكيل مجلس إدارتها الأسبوع الفائت.
وشركة ضمان الودائع، كانت مطلباً جوهرياً منذ سنوات لمعالجة الاختلالات في توزيع النقد بين الساحة المصرفيَّة والسوق الموازية، وما ترتب عليها من تداعيات أفضت الى اكتناز الأموال في المنازل وضياع فرص تدوير النقد في عمليات الائتمان بهدف الخروج من مأزق شح السيولة في عملية التنمية. وبما يؤسس لعلاقة مالية بين القطاع المصرفي والجمهور يمكن أنْ تمهد لتكريس حالة الثقة بالقطاع المصرفي، تعتمد عوامل جذب لا تستند على ضمان الإيداعات وحسب، وإنما على حماية الودائع من الكشف والتدقيق خارج الممارسات القانونيَّة، ورفع نسب الفائدة بمعدلات تتناسب مع معدلات التضخم، الأمر الذي سينسحب على مفاصل عموم حلقات القطاع المالي، من قبيل ارتفاع نسب معدلات التأمين على القروض، وزيادة الثقة بالنظام الضريبي من خلال وعاء ضريبي فاعل وضاغط على المعنيين بتحول الضرائب الى خدمات، ويمكن أنْ ينسحب هذا الأمر الى حد تنتقل فيه السياسة الضريبيَّة الى أساليب الإعفاء أو التخفيض، بما يحد من التهرب الضريبي ويزيد من انحسار اقتصاد الظل غير المسجل في المؤسسات الحكوميَّة، في ذات الوقت الذي ستزداد فيه معدلات الائتمان بأسعار فائدة مشجعة تتناسب مع حركة السوق.
إنَّ الشروع بعمل هذه الشركة يقتضي وبالضرورة الإعلان عن نشاطها بشكل يكشف عن نظام ضمان الودائع بكل شفافيَّة، بما يؤسس لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي وتشجيع الجمهور على الادخار، ويقتضي أيضاً التوقف عن فوضى التعليمات والإجراءات المفاجئة التي يتعرض لها الجمهور، والبيروقراطية المعطلة للأعمال وتعسف الإجراءات المهينة للزبائن في بعض المصارف، بموازاة العمل بالنظام المصرفي الشامل القائم على التقانات الحديثة، آنذاك يمكن أنْ تخرج الأموال المكتنزة من المنازل وتنحسر ساحة التداول في السوق الموازية. حينها يمكن أنْ نودع ما يعرف بالاقتصاد النقدي.