المثقف متظاهراً .. المثقف محرّضا !!

آراء 2019/12/09
...

د. حسين القاصد 
 
ليس العنف بجديد على الشخصية العربية، وليس جديدا على المثقف العربي أو العراقي على وجه الخصوص؛ لأنّ وطنا يمثل مسقط رأس الكون، وفيه ومنه أوائل الأشياء، لم تهدأ ناره ولم تبرد فوهة بندقيته، ولم تكف حناجر مثقفيه عن الفخر بالعنف والتحدي.
ورث العراقيون كلّ خطاب العنف الصحراوي، وتطبعوا به، فكان الدم يمثل اللون الأبرز في خطاب مثقفيه.
وطنٌ تشيّده الجماجم والدمُ 
تتحطّم الدنيا ولا يتحطّمُ 
وهو البيت الذي حاكاه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني بسخريته اللاذعة، إذ قال: (تتقدم الدنيا ولا يتقدم!).
هكذا اصطبغت كلمات المثقفين العراقيين بالدم، ولعل هذا الاصطباغ جاء من معاناتهم الطويلة من ظلم الحكام من كثرة الحروب وتناسلها.
الآن، اندلاع التظاهرات في العراق، وقد رافقتها أحداث دموية راح ضحيتها مئات من الشباب العراقيين بين شهيد وجريح، نجد بعض المثقفين ينصب له دكة ويرفع صوته محرّضا على العنف؛ فبينما يدعو المتظاهرون إلى السلميّة تجد المثقف يحتفل مصفقا لحرق هذه البناية أو تلك، بل تجده محرّضا الشباب على الاضراب عن الدراسة بينما ينعم هو براتبه وبعضهم براتبه المثير للجدل والشبهات، إذ تجده يتقاضى راتبا شهريا مميزا لكنّه يشجّع على الاضراب وعلى استهداف دائرته نفسها التي تصرف له راتبا شهريا من دون دوام. 
هنا، تحديدا، تخلى المثقف عن دور القدوة وتحول إلى أداة تحريض لحرق البلاد والعباد وحرف التظاهرات عن مسارها السلمي.
من هؤلاء المثقفين من لا يستمع لصوت الشارع وصوت الوطن، بقدر استماعه لساسة يفيدون من التخريب ليحققوا مآربهم الضيقة، وهنا يتحول المثقف من صوت للشعب إلى صوت يقف خلفه غراب ناعق للتخريب خلف لافتة ظاهرها وطني يريد إنقاذ البلاد ومضمرها خدمة لسيده الذي يعده بالأموال والهبات بقدر مايبذله من جهد لتأجيج الوضع.
لم يقف المثقف، من هذا النوع، عند هذا الحد، بل أخذ يحرض على العنف البيني، بين أبناء الوطن الواحد، ليتحول من صوت وطني، إلى ممزق للوحدة الوطنية؛ إذ أخذت الأصوات المريبة ترتفع بوجه من يصر على سلمية التظاهر، وأخذت الاتهامات والتخوين طريقها إلى الخطاب الثقافي التظاهري!، فصرنا نقرأ ونسمع طعنا واضحاً حتى بشهداء الوطن، ولعل حادث استشهاد الإعلامي أحمد المهنا خير دليل على خيبة الثقافة وانتكاس التعامل الإنساني؛ فحين استشهد المصور الإعلامي أحمد المهنا، سرعان ما تفاعل المتظاهرون مع حادثة استشهاده، لكننا لم ننتظر طويلا لنصدم باختفاء صوره ونعيه من صفحات أغلب المتثاقفين الأجراء، وقد حذفوها بعد أن عرفوا أن الشهيد يعمل مصورا للاعلام الحربي في الحشد الشعبي، وهو انفصام إنساني مؤلم، حين تصل الأمور إلى تجريد الشهيد من شهادته ومن حقه في التظاهر، وكأنّ الحشد الشعبي لم يذد عن البلاد ولم يسحق الدواعش، بل كأن ابناءه ليسوا من أبناء هذا البلد ولا يحق لهم التظاهر وليس لهم أن يكونوا شهداء اذا سقطوا في التظاهرات بسبب أحداث العنف التي يؤجّجها المثقفون. 
فإذا كان سبب عدم سلمية التظاهرات هو دخول المعروفة اسماؤهم ونواياهم وميولهم من المثقفين، فعلى المتظاهرين أن يحموا سلمية تظاهراتهم من مثقفي الحرق والتدمير والتخوين.