أفراح عراقيَّة

الصفحة الاخيرة 2019/12/10
...

حسن العاني 
تقوم الحياة على نوع من المتقابلات، على غرار (ليل ونهار)، أي ما يقابل الليل في الاتجاه الآخر هو النهار، وهكذا هي الحال بين الماء واليابسة، الاسود والابيض، الخير والشر، الغنى والفقر.. الخ، ولعلَّ مفردتي (حزن وفرح) من بين اكثر المفردات تداولاً، لكونها تتعلق بالإنسان مباشرة وبفعالياته التي لا تحصى ولا تعد، وبناءً على ذلك فإنَّ الحزن والفرح ظاهرة عالمية لا تقتصر على قبيلة أو شعب أو أمة، ولا على بلد من دون الآخر، ومن الطبيعي انَّ العراق ليس استثناءً، وحين فكرتُ باستقصاء حالات الحزن والفرح وحصرها على المستوى المحلي، اي العراقي، رأيت أنْ أتخلى عن قراءة الحزن، لأننا جميعاً أحوج ما نكون الى نوافذ فرح عراقية تمنحنا أكبر قدرٍ من السعادة والبهجة بعد أنْ كلّت قلوبنا وتعبت من الغم 
والهمّ..
على أية حال هناك نوعان رئيسان من الأفراح العراقية، الأول ذو صفة شعبية او اجتماعية، وعادة ما يشارك فيه اكثر من طرف (بغض النظر عن استثناء هامشي هنا او هناك) من ذلك على سبيل المثال عيد الفطر وعيد الاضحى وعيد رأس السنة، ومناسبات الزواج والختان والحصول على وظيفة او شهادة دراسية او شفاء من مرض او ولادة طفل، ويدخل ضمن هذا النوع فرح التاجر بصفقة رابحة، والمتقاعد بصدور قانون موحد، والموظف بزيادة الراتب، والفلاح بسقوط المطر، والمواطن بالحصول على أبسط الخدمات، والبرلماني إذا حصل على قطعة أرض امبريالية، والفقير على رغيف خبر، والأرملة على راتب الرعاية، والطفل بالحلوى والمرأة بالذهب، والرئيس بتجديد الولاية، والرياضي بالفوز، والموظف المتنفذ بالقومسيون، والعاطل بالعمل، والطالب بالنجاح، والعانس بالزواج، والحرامي بغياب الحراس الليليين.. الخ، وقد شذّ عن هذه الافراح الطبيعية فرح البزون (القط) اذا تعرض أهل البيت الذي تعيش فيه وتأكل منه الى العمى، لكي يخلو لها الجو، وتعبث كما يحلو لها، وتسرق ما تشاء من غير حساب ولا رقابة ولا عقاب، ومعلوم ان فرح القط سلبي قائم على إيذاء الآخر والغدر به، ولكنَّ اللافت للنظر انَّ ظاهرة القطط او طباعها الحيوانية بدأت تنتقل شيئاً فشيئاً الى الإنسان وكأنه تعرض الى العدوى...
بالطبع لا يمكن أنْ نغفل الكتل والأحزاب و(عموم) الطبقة السياسيَّة فلهؤلاء كذلك أفراحهم الخاصة بهم، والتي لا يشاركهم فيها أحد، وهذا هو النوع الثاني من الأفراح، من ذلك على سبيل المثال، الحصول على أكبر عددٍ من المقاعد في البرلمان او مجالس المحافظات، أو الفوز في الانتخابات حتى لو عن طريق التزوير، او الانفراد بتشكيل الحكومة الى غير ذلك، ولكنَّ فرحتهم الأعظم هي حين ينجح هذا الطرف بشراء الذمة العفنة لزيد او عمرو من الطرف الآخر... أو حين يتعرض الطرف المقابل الى أزمة داخلية او انشقاق او حالة من التشظي ولولا خشية الوقوع في المبالغة لقلت بدون مبالغة، إن الواحد منهم يقيم الافراح سبعة ايام بلياليها اذا تعرض خصمه الى مفخخة او ملثم او جلطة.. ولكن مثل هذه الافراح السلبية لا يمكن ان تتحقق، لكون السياسيين لا يتعرضون لها ابداً، فالمفخخة والملثم والجلطة من نصيب المواطنين 
حصرياً!!