غيّر بوليفيا لكنه حكم طويلاً

بانوراما 2019/12/13
...

لورنس بلير 
ترجمة: خالد قاسم
موراليس إبن مربيّ جمال ومزارع كوكا قبل إحداثه تحول كبير لبلاده طيلة 14 سنة من رئاسته، لكن حكمه الشخصي كان نقطة ضعف قاتلة. وانتهت الرحلة السياسية السريعة لموراليس، الى الآن على أقل تقدير كما بدأت في منطقة أدغال وسط بوليفيا.
 
كانت مقاطعة إل تشاباري حيث بدأ موراليس مشواره السياسي خلال الثمانينيات وساعد بتنظيم زملائه مزارعي الكوكا ضد محاولات أميركية للقضاء على عنصر الكوكايين الخام، وهي نفس المنطقة التي هرب اليها مؤخرا بعد استقالته من الرئاسة بتحريض من كبير قادة الجيش، مع اصابة البلاد بالشلل بسبب المظاهرات وسط ادعاءات بتزوير الانتخابات. وقد انتشرت صورة له وهو مستلق على بطانية في منزل آمن، اذ استذكر أيام زعامته المحلية وكان قد وعد كثيرا بالعودة الى هناك والتقاعد. لكن أطول رؤساء بوليفيا بقاء في الحكم استقل طائرة حكومية مكسيكية مغادرا الى منفاه الاختياري.
تعد السنوات الأربعين الماضية واحدة من أكثر السير الذاتية اثارة للاهتمام بالعصر الحديث، وهي قصة بوليفي بامتياز لكنها تعكس تيارات الازدهار والافلاس والثورة في أميركا اللاتينية، وتتحدث عن موضوع عالمي للسلطة وتأثيراتها التدميرية.
ولد موراليس لعائلة فقيرة من مربي الجمال عام 1959، عندما كان السكان الأصليون يغمرون بالمبيدات الحشرية عند دخولهم المباني الحكومية. وانتقل بعد عشرين سنة الى تشاباري حيث تسببت أنشطته كعضو نقابي لصعود اسمه وزيادة فطنته، وتخطى عمليات ضرب واعتقال واساءة عنصرية واقتتال حزبي لتولي زعامة حركة الاشتراكية، وهي كتلة واسعة من عمال المناجم والمزارعين وسكان المدن اليساريين ومن ثم دخل الكونغرس.
 
زعيم شعبي
سرعان ما كسب موراليس الشهرة برئاسته ثورة شعبية ضد حركات لبيع الغاز الطبيعي البوليفي بثمن بخس الى الولايات المتحدة، عبر تشيلي المجاورة والعدو التاريخي. وما تسمى حرب الغاز بين عامي 2003 و2005 اذ قتلت القوات المسلحة أكثر من 60 شخصا، تسببت بتشويه سمعة السلطات كثيرا القادمة من نفس النخب الأوروبية التي حكمت بوليفيا لقرون. وبعد هرب أحد الرؤساء واستقالة آخر، تسنم موراليس السلطة بانتخابات 2005 بفوزه بأكثر من أصوات البلاد.
وعد موراليس باعادة توازن شاملة: “سننهي الدولة الاستعمارية والنموذج الليبرالي الجديد، لقد انتهت 500 سنة من مقاومة السكان الأصليين لأميركا.”
بمساعدة انتعاش أسعار المواد الخام عالميا، ساهم تأميم جزئي للنفط والغاز بتمويل برامج اجتماعية سخية قلصت معدلات الفقر من 59 بالمئة الى 35 بالمئة، وأصبحت أفقر دولة بأميركا الجنوبية أسرعها نموا بمعدل 5 بالمئة سنويا لأكثر من عشر سنوات.
جعل دستور معدل بوليفيا دولة متعددة القوميات، اذ منحت مكانة قومية الى 36 لغة وجماعة من السكان الأصليين، ورفع شعار الأنديز “وايفالا” الى جانب العلم الوطني ثلاثي الألوان، وصارت زراعة الكوكا قانونية ونصّ الدستور على احترام الأرض الأم للأنديز.
شغلت النساء نصف مقاعد الجمعية الوطنية، تنتمي الكثير منهن للسكان الأصليين، وارتدين جلود النمور والتنورات الواسعة. وقمع موراليس تمردا انفصاليا للمقاطعات الغنية بالأراضي المنخفضة، وكانت كل سنة يقضيها بالسلطة تعد انجازا في دولة معروفة بالاغتيالات والثورات والانقلابات.
ظهر موراليس خارجيا مع زملائه قادة “المد الوردي”، مثل الفنزويلي هوغو تشافيز والبرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا، اذ شجبوا الامبريالية الأميركية الشمالية وأقاموا دعوى فاشلة ضد تشيلي طلبا لوصول بلدانهم الى المحيط الهادئ.
أما على المستوى الداخلي فيبدو أن العنصر الشخصي لموراليس كان نقطة الضعف المميتة لثورته، اذ واجه انتقادات بسبب بناء متحف مكرس له في بلدته الأم وناطحة سحاب حكومية بالعاصمة الادارية لاباز مجهزة بمهبط مروحية وسكن رئاسي لأنها مشاريع تفاخرية مكلفة.
نكث موراليس بوعوده وسعى لشق طريق سريعة عبر محمية للسكان الأصليين، وخفف الحمايات البيئية وساهم بحرائق غابات أشعلت 4 ملايين هكتار في العام الحالي، وتسبب العجز الحكومي باختفاء بحيرة بوبو الكبيرة.
 
احتكار السلطة
سمح الدستور الجديد لموراليس بالترشح لفترة ثالثة عام 2014، ومن أجل محاولته الرابعة سعى أولاً للقبول باستفتاء 2016 لكن طلبه رفض بفارق ضئيل. وفي العام التالي حكمت المحكمة الدستورية بأن تقييد عدد الفترات الرئاسية ينتهك حقوق الرئيس الانسانية.
وقعت شرارة هذا السيناريو المشتعل بيوم الانتخاب، عندما توقف فجأة العد الأولي للأصوات بعد انقطاع الكهرباء والانترنت والهاتف. وعند استئناف العد باليوم التالي تفوق موراليس على حاجز 10 نقاط مئوية المطلوب لهزم منافسه كارلوس ميسا بالجولة الأولى.
رفض مراقبو الانتخابات من منظمة الدول الأميركية النتائج وذكروا تلاعبا واضحا ببيانات الاقتراع واختفاء خادم حاسوبي وتواقيع مدققين مزورة وأصوات شبحية. وأشار مراقبون متعاطفون معه الى الأصوات الريفية المتأخرة بالوصول لتفسير التضارب.
اندلعت مظاهرات لمعارضي موراليس التقليديين بمدينة سانتا كروز الشرقية وانضم اليهم سكان المدينة الشباب من القبائل الأصلية. وقدّم موراليس أكبر تنازلات حياته السياسية اذ وافق على تدقيق منظمة الدول الأميركية للأصوات ومن ثم قبل بانتخابات جديدة.
مع زيادة حدة المظاهرات دعت نقابة العمال القوية موراليس للنظر بمنصبه، وأعقب ذلك تمرد الشرطة بسبب الرواتب ومظالم القيادة في مدن كثيرة، وتخلى الحراس عن قصر الحكومة واستقال كبار قادة الحزب الحاكم. ومن ثم ظهر الجنرال ويليامز كاليمان، الذي عينه موراليس قبل أقل من سنة، على شاشات التلفاز قائلا أن الرئيس استقال الّا أن موراليس وصف العملية بالانقلاب.