هل يكون مستقبل نفط العراق روسياً؟

بانوراما 2019/12/13
...

فيرا ميرونوفا ومحمد حسين
ترجمة: ليندا أدور
مع استمرار التظاهرات في العراق والتي تسببت بقلق لدى الكثير من المستثمرين، الا أن الوجود الروسي هناك يمضي قدما. فعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات الشعبية والتي أجبرت العديد من الدبلوماسيين الى مغادرة البلاد لدواع أمنية، لكنها شهدت تضاعف قوة الوجود الروسي. فلم تكن سفارتها الوحيدة التي بقيت مفتوحة خلال الأسابيع الماضية من الاضطرابات، بل شهدت الشهر الماضي، زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، لها تلاها أربيل.
فكرة متأخرة
لم تكن جولة لافروف كغيرها من المهام الدبلوماسية المعتادة، لم تتخللها اتفاقات رسمية موقعة. وقد بدت كل من السياسة وسوريا والارهاب وكأنها “فكرة متأخرة”، كان الدبلوماسيون هم الأقلية خلال اسبوع الزيارة، في حين كان المشاركون من رجال الأعمال وممثلي شركات النفط والغاز الروسية مثل غازبرومنفت وروزنفت وسويوزنفتغاز ولوك أويل هم الأغلبية. وقد أفاد أحد المصادر المرتبط بعلاقات مع رئيس الوزراء العراقي (قبل استقالته)، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه بأن: “ما تمت مناقشته خلال الاجتماعات هو العلاقات التجارية الثنائية، فقد أراد الروس التأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام وبسلاسة خاصة فيما يتعلق بمشاريع شركات الطاقة الروسية العاملة في العراق”، وهو ما أيده مصدر كردي مقرب من حكومة اقليم كردستان. لذا، من غير المفاجئ، أنه وبعد استثمار بلغ أكثر من عشر مليارات دولار ضمن قطاع الطاقة في العراق خلال السنوات التسع الماضية، من المرجح جدا أن يكون اهتمام روسيا المستقبلي منصبا على القضايا التجارية. 
يذكر أن الشركات الروسية، مسبقا، ممثلة جيدا بين شركات النفط في العراق، ولطبيعة عقود النفط والغاز الطويلة الأمد، فان حصة السوق الروسية ستزداد مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، خلال العام 2009، فازت شركة لوك أويل بواحد من أوائل عقود النفط في عراق ما بعد الحرب، لتطوير حقل غربي القرنة-2 في البصرة، والذي من المقرر ان يدوم 25 عاما للوصول الى انتاج 800 ألف برميل يوميا بنهاية العام 2024. واليوم، يصل انتاج هذا الحقل الى 400 ألف برميل يوميا، ويمثل ما نسبته 9 بالمئة من مجمل انتاج  العراق للنفط الخام، و12 بالمئة من صادراته النفطية. 
أما بقية الصفقات منذ العام 2011، فتشمل استثمارات بقيمة مليارين ونصف مليار دولار لشركة غازبروم وشركائها بوسط العراق ومنطقة كردستان لوحده. بلغ انتاج غازبروم من حقول سرقلة في كرميان ثلاثة ملايين برميل، على سبيل المثال، كما أطلقت العديد من المشاريع للتنقيب بحقول حلبجة وشاكال، وفي شهر أيلول الماضي، حصلت شركة سترويترانزغاز على عقد أمده 34 عاما للتنقيب عن النفط والغاز بمحافظة الأنبار، الاتفاق الذي شكر عليه لافروف العراق بشكل خاص أثناء زيارته، وفقا لمصدر بمكتب رئيس الوزراء.  
شركات متعطشة للمخاطرة
لم تبد روسيا اهتماما بحقول النفط العراقية نفسها، اذ تمتلك شركة روزنفت ما نسبته 60 بالمئة من خطوط أنابيب نفط كردستان، والذي يعد خط التصدير التشغيلي الرئيس 
للعراق. 
وخلال ربيع العام الماضي، اعلنت روزنفت عن توقيعها اتفاقية مع وزارة الموارد الطبيعية بحكومة اقليم كردستان بهدف تطوير بناها التحتية النفطية والغازية، بضمنها مد انبوب غاز جديد يتوقع أن تصل طاقته التصديرية الى 30 مليار متر مكعب سنويا، والذي يمثل ما يقرب من ستة بالمئة من اجمالي الطلب على الغاز بأوروبا. 
وفقا لما صرح به سياسي عراقي أواسط شهر تشرين الثاني الماضي، طلب عدم الافصاح عن هويته، بأن: “من خلال هذه الاتفاقية، تكون روسيا قد حققت الكثير من النفوذ السياسي داخل العراق، حيث يشكل النفط نحو 96 بالمئة من صادرات البلاد، لكن بغياب انبوب للتصدير، لن يكون للنفط أي أهمية في البلاد، لذلك، تكون روسيا اليوم، تسيطر بشكل أساس على عملية التصدير”.
لم يكن قطاع النفط والغاز في العراق محط انشغال روسيا، على الدوام، وبعد سقوط نظام صدام في العام 2003، وما تلاه من احتلال للعراق، غابت الشركات الروسية وبشكل كبير عن الساحة، لكن كل شيء قد تغير مع تصاعد 
العنف الطائفي في العام 2009، بعد أن غادرت العديد من شركات النفط الغربية العراق كشركة اكسون 
موبيل وشيفرون، رحيلا جزئيا أو كليا بسبب مخاوف أمنية، لتحل محلها الشركات الروسية المتعطشة للمخاطرة. 
ضربة اقتصادية وسياسية
لقي دخول روسيا ترحيبا لدى العراق، وكما ورد على لسان أحد القادة الكرد مؤخرا، حين ذكر بأن: “قبل وقت طويل من حصول الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية الأخيرة، مع بداية العام 2012، دخل الروس الأقليم كمستمثر عالمي قوي” مضيفا “آنذاك، لم تكن هناك حاجة للوجود الروسي، إذ كان الوجود والعم الأميركي قويا في المنطقة، لكن فيما بعد، وبعد شعور القادة الكرد بخيبة الأمل تجاه الأميركيين، بدا الروس لهم على انهم أكثر قوة وودية، فكان الاعتقاد السائد بكردستان حينها، بأن إبرام صفقة تجارية مع الروس سيعود بفوائد سياسية وأمنية عديدة أخرى”.
حتى ان العقوبات التي تفرضها أميركا لا يبدو انها تسبب ازعاجا للروس أو العراقيين، قسم من الشركات التي تعمل بمجال تطوير القطاع النفطي بالعراق، بضمنها غاز بروم وروزنفت، هي على لائحة العقوبات الأميركية لارتباطها بضم جزيرة القرم وتورط روسيا في النزاع شرقي أوكرانيا. وقد أكد ذلك أحد المسؤولين العراقيين، مؤخرا، بقوله: “منذ أمد بعيد الآن، يعمل العراق مع شركات روسية مدرجة ضمن  عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، لكن حتى الآن، لم تتسبب تلك الاتفاقيات بأي ردود أفعال قوية من قبل الادارة الأميركية، لذلك لا ننظر اليها كمشكلة”.
ان النفوذ الروسي على النفط لدى كل من العراق وسوريا، لم يمثل ضربة اقتصادية طويلة الأمد للولايات المتحدة، فحسب، بل سياسسة أيضا، لطالما كان النفط يعد هو العملة الرئيسة في كلا البلدين، ومن يملك السيطرة عليه، سيكون له الدور الرئيس برسم الجغرافيا السياسية للمنطقة.