عبّر أكثرُ من مسؤولٍ في رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية التركية عن إدانة قرار مجلس الشيوخ الأميركي الاعتراف بوقوع إبادة للأرمن على أيدي العثمانيين في سنوات الحرب العالمية الأولى، ما يضع العلاقات بين أنقرة وواشنطن في توتر جديد. وصوّت الشيوخ الأميركي، الخميس، بالإجماع، على الاعتراف رسميا بالإبادة الأرمنية وإحياء ذكراها، عقب تصويت مجلس النواب الأميركي على القرار نفسه بغالبية ساحقة، في تشرين الأول الماضي. وأعد مشروع القرار الجديد كل من بوب مينيديز، السيناتور الديموقراطي عن ولاية نيوجرسي، وتيد كروز، السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس.
ودعا مشرّعون أميركان الرئيس دونالد ترامب إلى الاعتراف بإبادة الأرمن، بعدما وصف، في نيسان الماضي، ما حدث للأرمن بأنه “من أسوأ الفظائع الجماعية في القرن العشرين”، من دون أن يستخدم مفردة “إبادة».
السفارة الأميركية: لا تغيير
وقال متحدث باسم السفارة الأميركية في أنقرة إن موقف البيت الأبيض بشأن أحداث الأرمن عام 1915 لم يتغير.
ونقلت وكالة الأنباء التركية الرسمية عن المتحدث قوله: “لم يتغير موقف الإدارة. تتجلى وجهات نظرنا في بيان الرئيس [دونالد ترامب] النهائي بشأن هذه المسألة في نيسان الماضي».
موقف أرمينيا
واعتبر نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرمني، قرار الشيوخ الأميركي “انتصارا للعدالة والحقيقة”، معبرا في تغريدة على تويتر، عن الامتنان للكونغرس الأميركي.
ورأى باشينيان أن القرار “خطوة شجاعة نحو منع حصول عمليات إبادة مستقبلا». وتقول أرمينيا إن العثمانيين قتلوا 1.5 مليون أرمني في “إبادة جماعية” عام 1915، وتدعو تركيا للاعتراف بالإبادة وتطالبها بتعويضات عنها، إلا أن تركيا ترفض تسمية ما حدث للأرمن بأنه “إبادة جماعية”، وتسمّيه “مأساة” طالت الأرمن لقتالهم مع الروس ضد العثمانيين، وتعرضهم لأوضاع مميتة في أثناء تهجيرهم من شرق الأناضول.
ردود تركية: أداة لحسابات ضيقة
وكتب إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في تغريدة على تويتر: “ندين ونرفض بشدة القرار الذي جعل من التاريخ المشوه الذي يتبناه مجلس الشيوخ الأميركي أداة لحسابات سياسية ضيقة”، مضيفا أن “هذا القرار، الذي هو بحكم العدم، لن يؤثر في موقف تركيا المحق والحازم في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية».
استعراض سياسي
وعدّ مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية “استعراضا سياسيا ليس له أي سند قانوني أو صلاحية». وصعّد من لهجته الحادة، في تغريدة على تويتر، وهو يضيف أن “أولئك الذين يستخدمون التاريخ لأغراض سياسية جبناء لا يريدون مواجهة الحقيقة».
تسييس للتاريخ
واعتبرت وزارة الخارجية التركية، في بيان، قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية “مثالا مخجلا على كيفية تسييس التاريخ».
وتابعت الوزارة أن “هذا القرار لا صلاحية له وغير ملزم”، مضيفة “من استخدموا التاريخ لأهداف سياسية لن يصلوا لأهدافهم طالما غضوا الطرف عن الحقائق».
وعدت الخارجية التركية قرار الشيوخ الأميركي “محاولة تخريبية تهدف لتعطيل الجهود المبذولة لتطوير العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة».
ويمكن أن تواجه تركيا قرارا أقوى من القرار الرمزي بشأن الإبادة الأرمنية، إثر تبني لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء الماضي، مشروع قانون لفرض عقوبات مشددة على تركيا، لشنها العملية العسكرية الأخيرة المسمّاة تركياً “نبع السلام” ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والتنظيمات الأخرى المتحالفة معها، وشرائها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “إس – 400».
تعريض العلاقات للخطر
وعلق فخر الدين ألتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عبر سلسلة تغريدات على تويتر، بأن “مشروع العقوبات الذي اعتمدته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ومشروع القرار الأرمني الذي اعتمده مجلس الشيوخ، يعرضان مستقبل علاقاتنا الثنائية للخطر”، مشددا: “لن نتنازل عن أمننا القومي لأن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي منزعجون من عملياتنا العسكرية في سوريا».
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية قال، في مؤتمر صحفي، إن اعتماد لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع عقوبات ضد تركيا، لن يكون له أي تأثير في استخدام منظومة “إس – 400».
انتقاد روسي
وانتقدت، ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، تبني لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع العقوبات ضد تركيا.
وقالت، في مؤتمر صحفي بموسكو: إن “ممارسة سياسة الضغط من خلال العقوبات أمر غير مقبول في نظام تنسيق العلاقات الدولية». وعقب قرار الشيوخ الأميركي الأخير بحث وزير الخارجية التركي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، عبر الهاتف، مجموعة من
القضايا الثنائية والإقليمية.
وسيّرت القوات التركية والروسية الدورية المشتركة رقم 15 بين مدينتي رأس العين والقامشلي في مناطق شرق نهر الفرات السورية بموجب اتفاق سوتشي لتعليق العملية العسكرية في الشمال السوري المبرم بين الرئيسين التركي والروسي في الـ 22 من تشرين الأول الماضي.
بدائل {إف – 35»
وبالتزامن مع التوتر التركي – الأميركي الجديد صرّح خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي، بأن أنقرة ستضطر للبحث عن بدائل في حال جرى استبعادها من مشروع انتاج مقاتلات الشبح الأميركية “إف – 35”، في تلويح مكرّر يفهم منه باستمرار شراء مقاتلات روسية.
وجرى تعليق مشاركة تركيا في المشروع وإنتاجها نحو 100 من قطع المقاتلات المتطورة بسبب شرائها منظومة “إس – 400” الروسية.
وقال آكار، في كلمة أمام البرلمان التركي: إن “منظومات الدفاع الجوي والصاروخي ليست خيارا، بل مسألة حتمية من أجل أمن 82 مليون مواطن يعيشون في تركيا التي تقع تحت تهديد جوي كبير”، مؤكدا أن عملية توريد منظومة “إس – 400” تستكمل كما هو مخطط لها.