تكنولوجيا التعرّف على الوجوه تجعلك أوفر أمناً
علوم وتكنلوجيا
2019/12/14
+A
-A
جيمس أونيل*
ترجمة : انيس الصفار
يوم أديت القسم ضابطاً في الشرطة في العام 1983 بدا لي أنَّ كثيراً من التطبيقات الروتينيَّة في هذه المهنة آنذاك أقرب الى عمل الشرطة في زمن جدي منه الى عمل خريج حديث من أكاديمية الشرطة. كنت آخذ بصمات الأصابع بالحبر على بطاقات ورقية واستخدم كاميرا من نوع بولرويد لالتقاط صور المحتجزين، وكانت التقارير تكتب باليد أو تطبع بالآلة الكاتبة بثلاث نسخ كربونية. أما الأدلة الحيوية فتنحصر بتحديد فصيلة الدم.
تحسن الأداء المهني
ثم جاءت التكنولوجيا فتحسن الأداء المهني تحسناً فاق أقصى ما يمكن أنْ يحلم به ضابط شرطة في تلكم الأيام. هذه المبتكرات شملت في ما شملت برامج وتطبيقات لتشخيص الوجوه، وقد أثبتت هذه أنَّ لها قيمتها كوسيلة لمقارعة الجريمة منذ اعتمادها في العام 2011. بيد أنَّ هذه التكنولوجيا أثارت أيضاً شعوراً بالقلق حيال الخصوصيَّة، لذا توجب أنْ يعلم عامة الناس كيف يستخدم جهاز شرطة نيويورك هذه الانظمة بصفته الحافظ الأمين الذي يتولى هذه المهمة.
حين يحصل المحققون على مقطع فيديو خلال عملية التحري بوسعهم اليوم أنْ يحيلوه الى قسم التشخيص في مكتب التحقيقات، عندئذ يقوم برنامج خوارزمي خاص بإعداد شكل (أو قالب) لذلك الوجه بأخذ قياسات وأشكال معالمه والمسافات النسبيَّة في ما بينها. بعد ذلك يجري البحث والمطابقة بالرجوع الى قاعدة بيانات مؤلفة حصراً من صور أشخاص سبق إلقاء القبض عليهم كمصدرٍ وحيدٍ للبحث عن الشخص المقصود (أي إننا لا نستخدم في هذه المرحلة صوراً مأخوذة من دوائر المرور أو موقع فيسبوك أو كاميرات مراقبة حركة السير في الشوارع أو السيل الدافق من مقاطع الفيديو التي تلتقطها الدوائر التلفزيونية المغلقة في جميع أنحاء المدينة). عملية مقارنة "معالم الوجوه" هذه تجري من دون إشارة الى العرق أو الجنس أو القوميَّة.
بحث مفتوح
بعد أنْ يعدّ التطبيق قائمة بالتطابقات المحتملة يقوم محقق بتقييم مدى شبه كل منها بالشخص المشتبه به، وعندما يستقر الخيار على شخص معين يجري المحققون والمشرفون الخبراء مراجعة جديدة ويقومون بتأشير أوجه التشابه والخلاف. ومتى ما تأكدت المطابقة يمضي المحقق قدماً في بحثه وهذا يشمل البحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الصور المتاحة عبر المصادر المفتوحة.
قد نجد على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لشخص يحضر حفلة عيد ميلاد مثلاً وهو يرتدي الثياب ذاتها التي كان المشتبه به يرتديها أثناء عملية سطو، عندئذ يعدُّ هذا الشخص خيط دلالة في القضية، وفريق التعرف على الوجوه لا يقدم للمحقق الذي يتولى القضية سوى خيط واحد من هذا النوع. بعد ذلك تقارن الخيوط المتوفرة لدى الوحدة بالاخباريات الواردة عبر الخط الساخن، ومهما بدت النتائج مقنعة ومتكاملة ومغرية فإنها لا بدَّ أنْ تدقق ثم يعاد تدقيقها حتماً قبل إقامة قضية وإصدار قرار بإلقاء القبض. أي إنَّ إلقاء القبض على أي شخص لا يتم بالاعتماد على المطابقة الكومبيوتريَّة وحدها.
في العام 2018 قدم المفتشون 7024 طلباً الى قسم تشخيص الوجوه فجاء الرد بوجود تطابق محتمل في 1851 حالة منها، وأدى هذا الى إلقاء القبض على 998 مشتبهاً به. بعض التحقيقات لا تزال مستمرة حتى يبت فيها، كما أنَّ بعض المشتبه بهم لم يمكن الوصول اليهم واعتقالهم.
في أحوال كثيرة كانت النتائج واضحة، فقد مكّن عمل فريق تشخيص الوجوه الجهات المعنية من إلقاء القبض على رجل متهم باغتصاب عاملة في أحد المنتجعات، وعلى آخر متهم بدفع مسافر وإسقاطه على سكة قطار الأنفاق. تمكنا ايضاً من اعتقال متهمين بجرائم قتل وسرقة، وعلى شخص هاجم مراسلة محطة تلفزيونية أثناء بث حي على الهواء. بهذه الوسيلة ايضاً أمكن التعرف على هوية امرأة عثر على جثتها مقطعة وموضوعة في أكياس القمامة في ساحتين عامتين بمنطقة برونكس. أمكن ايضاً التعرف على امرأة تتلقى علاجاً طبياً بسبب إصابتها بمرض الزهايمر عن طريق صورة أخذت لها بسبب قيادتها السيارة وهي لا تحمل إجازة سوق.
تقليل الأخطاء
ساعد البرنامج ايضاً على تبرئة أشخاص مشتبه بهم، فوفقاً لمشروع التبرئة كانت نسبة 71 بالمئة من حالات الإدانة الزائفة الموثقة نتيجة خطأ تشخيص من جانب الشهود. ولكن باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه، كخطوة اولية ومحددة (مثلما نفعل في قسم الشرطة لدينا)، ينخفض احتمال وقوع مثل هذه الاخطاء في تطبيق العدالة.
في نظامنا الحالي لم نعد ندخل ابداً رسوم التخطيط اليدوي للوجوه، لأنَّ هذا الأسلوب لم يعد ذا قيمة. بدلاً منه نستخدم اليوم برنامج تعديل قادر على إعطاء معالم شاملة للمتهم حتى في حالة إغماضه عينيه أو إخراجه لسانه في الصورة المقدمة. كذلك يستطيع النظام إنشاء صورة معكوسة، فيظهر الجانب الأيمن من الوجه إذا كانت لدينا صورة الجانب الأيسر مثلاً، ومن بعد ذلك انتاج نموذج موحد ثلاثي الابعاد.
هذه الطرق كلها تستخدم لهدف وحيد هو ملء الفراغ الذي تخلفه بيانات ناقصة أو مشوشة، وعندما نفعل ذلك نكون قد أدخلنا الى العملية درجة اضافية من الأمن. ولكن عند مقارنة هذا بالملء الجزئي لبصمة الاصبع، كما فعل مركز جورجتاون للخصوصية والتكنولوجيا في تقرير حديث، سيبدو لنا الأمر مضحكاً. فمن المنطقي مثلاً أن نكوّن صورة للأذن اليسرى للمشتبه به باستخدام صورة اذنه اليمنى كنموذج مرجعي، ولكن من المستحيل أن نستخرج شكل الأنف بالرجوع الى شكل الذقن. وحيث إن الخوارزمية المستخدمة مستمرة في التطور وتحسين قدرتها على قراءة الصور الضعيفة الواطئة الجودة فإنَّ اللجوء الى برنامج التصحيح سوف يأخذ بالانحسار شيئاً فشيئاً.
دائرة شرطتنا لا تشارك في فرض قوانين هجرة المدنيين، لذلك لا يشارك قسم تشخيص الوجوه لدينا في هذا الجانب ايضاً، ولكننا قد نقدم المساعدة لدوائر الشرطة الأخرى ما وجدنا ذلك مناسباً. ففي الآونة الأخيرة قادنا طلب تقدم الينا به مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي" الى القبض على احد ممارسي تهريب الأطفال لاستغلالهم جنسياً. كان هذا الشخص يعرض خدماته عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حقوق الخصوصيَّة
لم تعد تكنولوجيا القراءات الحيوية شيئاً جديداً، فهي اليوم تستخدم بشكل روتيني في كل مكان، من محال التسوق حتى عيادات الاطباء. تطبيقاتها من جانب دائرتنا تخضع لسيطرة دقيقة، ومساهماتها القيمة في تحقيقات الشرطة أمكن الحصول عليها دون مساس بحقوق الخصوصية. وحين ينظر الادعاء العام في قضايا يستعان عليها بهذه التكنولوجيا فإن طرقنا، وكل النتائج التي تتمكن من جمعها، تخضع للتمحيص الدقيق من جانب المحكمة.
وسيلة فعالة
تكنولوجيا التعرف على الوجوه، وسيلة فعّالة في خدمة أشد عمليات التحقيق تحدياً، كما يحدث مثلاً حين يقدم شخص مجهول على فعل عنف مفاجئ في الشارع دون سابق إنذار.
في زمن أخذ بصمات الاصابع والتقاط صور المشتبه بهم بكاميرات البولرويد كان هذا النوع من الجرائم هو السمة المميزة لمدينة نيويورك، لساكنيها وزائريها العابرين على حد سواء.
هذه الحوادث نادرة الوقوع اليوم، ولكنها مع هذا تبقى من الاسباب التي يمكن أن تتسبب في تغيير مسار حياة، أو القضاء عليها احياناً. الحفاظ على الامان في مدينة نيويورك يتطلب جهوداً جبارة لا تكل. من الظلم لمن نخدمهم من سكان مدينة نيويورك القرن الحادي والعشرين ان نحاول حماية مدينتهم بتكنولوجيا متخلفة عن القرن الحادي والعشرين.
* جيمس أونيل: مفتش شرطة
مدينة نيويورك.