الحوار الغريب

آراء 2019/12/14
...

حسين الصدر
يلجأ المفكّرون – وهم يختلفون في آرائهم وطروحاتهم اختلافاً كبيراً في العديد من المسائل – الى الحوار ..
فالحوار وسيلة حضارية لحل المشكلات بما فيها المشكلات الفكرية، فضلاً عن المشكلات العملية المتجددة باستمرار.
وأنا الآن أحدّثك عن حوار قالوا: إنّه جرى بين (فَلّاح) بسيط وبين (لص) خبيث، اقتحم حقل ذلك الفلّاح وبدأ يقطف من ثماره وفاكهَتِهِ فيأكل ويملأ جيوبه منها فصاح به الفلّاح:
ماذا تعمل؟
فأجاب اللص:
الأرض أرض الله،
والشجر شجر الله،
والفاكهة ملك الله،
وأنا عبد الله،
وهذه الاسنان خلقها الله فماذا تدّعي أنت بعد ذلك؟
وقد حار الفلّاح وهو يسمع مقولة اللص التي يطلقها بكل وقاحة وصلف ودون خجل أو حياء..!!
فكمن له في مكان آخر من الحقل وحين همَّ اللص بالخروج هَجَمَ عليه وأوثقه بالحبال ورفع عصاً غليظة كان قد أعدها مسبقا،
وشرع بضربه ضربا مبرّحاً 
وحين بدأ اللص بالصراخ،
قال له:
لماذا تصرخ؟
العصا ملك الله،
واليد أيضا ملك الله،
والضارب عبد الله،
وبدنك أيضا ملك الله فلماذا تعترض؟
واذا كان من الصحيح أنّ المال كله لله، فإنّ من غير الصحيح الاستحواذ على مال أنعم به الله على هذا أو ذاك من الناس وإلّا لما اعتبرت السرقة جريمة.
وقد ابتلينا في (العراق الجديد) بأخطر انواع السرقة، ومع ذلك فَقَراصِنَتُها يرفضون الحوار مع الآخرين بشأن سرقاتهم ولصوصيتهم..!!
واذا كان التجاوز على المال العام خطاً أحمر، 
فإنّ هناك زمرة من السلطويين الجشِعين برعوا في فنون الاستحواذ على المال العام وبشكل نَهِم بحيث تجاوزت المنهوبات مئات المليارات من الدولارات، وهذه المنهوبات ذات الأرقام الفلكية قادرة على جعل العراق في طليعة الدول ازدهارا وعمرانا واستقرارا، بدلاً من أنْ يعاني ما يعاني من سوء الخدمات على مختلف الصعد، لاسيما في ما يتعلق بالماء والكهرباء والتعليم والصحة فضلاً عن تقهقر القطاع الصناعي ...
وواهم من يظن أنّ الشعب العراقي يمكن أن يرضى بأقل من:
1 – إرجاع المنهوب من ثروته الوطنية الى خزانة الدولة ومحاسبة اللصوص والقراصنة.
2 – التعجيل بتوفير الخدمات الحياتية الضرورية لشعب يعيش في الألفية الثالثة وقد تراجعت فيه الخدمات الى ما قبل عقود طويلة من السنين.
3 – ايجاد فرص عمل للعاطلين عنه وهؤلاء شرائح عديدة:
منها الخريجون الجامعيون بما فيهم أصحاب الشهادات العليا 
ومنها الملايين من الشعب المتوثّب للعمل ...
والباحث عنه في اجهزة الدولة ومؤسساتها بعد انَّ عزّ عليه العمل في القطاع الخاص، الذي يترنّح من شدة الكساد ..!!
إنّ أخشى ما نخشاه ان تعمد بعض الجهات الخبيثة المعادية للعراق الحبيب باستغلال حاجة الشباب الى المال لتزج بهم في مشاريعها الجهنمية التي تستهدف تدمير البلاد.
آن أن يعي الجميع خطورة المرحلة وخطورة المستقبل الذي ينتظر البلاد والعباد في ظل هذه المعطيات.