البحث عن معادن ألاسكا يلحق الضرر ببيئتها

بانوراما 2019/12/14
...

ريتشارد ريد 
ترجمة: بهاء سلمان
قفز دب بني اللون عبر أشجار السهول الجرداء مع إطفاء "تشارلز وايمر" محرك طائرته المروحية على قمة تل بعيد. فزع الدب الضخم، ثم تلاشى وراء أشجار الألدر المتشابكة فوق واد تتضافر فيه الجدوال والمساقط المائية. حذر وايمر مرافقه "مايك هيتوول" من شفرات المروحة أثناء توقفها، لينزل الاثنان بروية من الطائرة.دخل وايمر وهيتوول، النحيفان ذوا اللحية الخفيفة، الى ارض مفتوحة تشكل جزءا من برية يلفها السكون جنوب غرب ألاسكا، التي تضم شبكة أنهار البرية الباقية في الولايات المتحدة.
 أما تحت أقدامهما، فتكمن أضخم رواسب معروفة غير مستخرجة من النحاس والذهب في العالم بأسره.
 
العمل في البرية
يعمل وايمر وهيتوول لدى شركة بيبل، الشركة الكندية التي كان أحد أهدافها حفر منجم بيبل، وهي حفرة مفتوحة بحجم يصل الى نحو 460 ملعبا لكرة القدم، وبعمق يفوق ارتفاع بناية مركز التجارة العالمي. وبالنسبة للمؤيدين للمشروع، فهو يمثل جائزة رائعة يمكن أن تدر مبيعات تزيد على المليار دولار سنويا على مدى عقدين من الزمن. ومن المحتمل أيضا، وهو ما يخشاه المنتقدون، أن تلحق عمليات المشروع الضرر بأحد أكبر مواقع صيد الأسماك في العالم.
بعد تلك الزيارة بستة أسابيع، والتي حصلت في 24 حزيران الماضي، توفي وايمر عن عمر 31 عاما، وفقا لتقارير أشارت الى طيرانه بمروحية ذات محرّك واحد واجرائه مناورات خطيرة وسط الجبال القريبة من مدينة انكوريج، وكان مالك الطائرة، كارل اريكسون، أحد الثلاثة الذين ماتوا جراء اصطدام الطائرة واحتراقها، وهو الشخص الذي أدار عمليات السلامة للشركة وتحقيقات الحوادث الجوية.
كانت وفاة عضوين من "عائلة بيبل"، بحسبما وصفهما هيتوول، المتحدث الرسمي للشركة، تذكيرا بأن التقنية مهما تطوّرت فهي تحمل معها أخطاء مميتة، ويمكن لأفضل الطائرات أن تسقط وتتحطم. 
ويقع موقع منجم بيبل على بعد أكثر من ثلاثمئة كيلومتر جنوب غرب انكوريج؛ ويبعد عنها خليج بريستول بنحو 155 كيلومترا بالاتجاه نفسه، حيث يقع موطن أكبر تجمّع لسمك السلمون الأحمر. ومع بداية كل موسم صيف، تتدفق مئات القوارب المتوسطة الحجم الى الخليج، إذ يوفر صيد السلمون 14 ألف وظيفة وينتج عنها مليار ونصف المليار دولار سنويا.
يأتى ربابنة القوارب وطواقمها من جميع أنحاء العالم لصيد ما يتمكنون من كميات هائلة من السلمون الأحمر خلال موسم الاصطياد المربح الذي يدوم شهرين فقط. وعمل الزعيم القبلي المحلي روبن سامولسن طيلة حياته في الخليج خلال الصيف الماضي للموسم الرابع والخمسين، شاركه أربعة من أحفاده بصيد السمك الشرس، معلقا: "لدينا منجم ذهب.. إنه السلمون."   
 
طبيعة خلّابة
لطالما عرفت منطقة ألاسكا بكونها صاحبة المشاريع الكبرى والمجازفات الضخمة؛ كما تعرف جيّدا بغناها بالموارد الطبيعية، مثل الذهب والنحاس، علاوة على سمك السلمون. وبالنظر الى  وضع منجم بيبل، يطرح السؤال التالي: هل بالامكان تعايش هذه المواد معا؟ كان الجيولوجيون قد اكتشفوا المنجم منذ عشرين سنة وحددوا رواسبه، وشبهوا المنطقة لجمالها البري الأخاذ بساحل بيبل للغولف في ولاية كاليفورنيا، حيث الجداول المائية المتسارعة تغذي البحيرات المتلألئة في وديان السهول الجرداء المصطبغة بلون الطحالب. ولدى شركة دايناستي للمعادن تصوّر بتواصل العمل المنجمي على مدى 78 سنة لاستخراج أكثر من نصف أعراق الذهب المطمورة هناك. بيد أن عمليات التطوير ستتسبب بتدمير أكثر من 3400 هكتار من الأراضي الرطبة و81 ميلا من الجداول المائية، وستقلل من روافد المنطقة التي تغذي المسطحات المائية المعروفة وطنيا بمنطقة تكاثر سمك السلمون ووفرة اصطيادها. وسيتم تفجير الصخور الغنية بالمعادن داخل حفر المنجم وتحويلها الى رمال، ومن ثم استكمال عملية الغربلة والتركيز لغرض انتاج 180 ألف طن يوميا من المواد المستخرجة. ويبقى التحدي الذي تواجهه الشركة، في منطقة يتراوح معدل هطول الأمطار فيها الى أكثر من متر وربع المتر سنويا، هو كيفية تأمين عدم وصول تلك المياه الملوّثة بشكل مطلق الى خليج بريستول، الذي يحتوي على أكثر من نصف أسماك السلمون الأحمر لمنطقة شمال المحيط الهادي.
وستعمل شركة دايانستي على اغراق المخلفات الخطرة للمنجم بشكل خاص، مغطية مساحة تفوق ألف هكتار بالمياه لمنع توليد المواد الحامضية. وستكون هذه الفضلات موجودة ضمن بطانات خلف سدود ترابية وستفرّغ بشكل نهائي داخل الحفر المفتوحة لمنجم بيبل بعد انتهاء أعمال التعدين.
تقليل الخسائر
أما المخلفات الأقل خطورة، فستمتد عبر 2800 هكتار، وسترجع عبر حواجز ضخمة مصممة لتصريف المياه الى نظام معالجة. بالمجمل، ستمتد سدود المخلفات هذه، التي يرتفع بعضها لما يوازي 40 طابقا، الى أكثر من عشرة أميال. ويقول ممثلو الشركة أن الكميات الأعظم للمخلفات تتألف من رمال خاملة، ويتحدثون عن نقل مخططاتهم الأحدث لغالبية العمليات من احدى المناطق من أجل تقليص الأخطار. لكن المعارضين لأعمال المنجم يشيرون الى أن أنظمة المياه الجوفية عبارة عن شبكة مترابطة، وتؤكد الجهات العلمية التابعة للحكومة المركزية بعدم كفاية النماذج الأحدث للمياه الجوفية. ولدى الشركة خطط لمنع التلوّث من خلال معالجة 13 ألف غالون كل دقيقة بالمتوسط من المياه الناتجة عن معالجة المواد الخام وتصريف المخلفات وسحب المياه من الحفر لتصب نحو نهر كوكتولي. وستزيد كميات المياه المصرّفة الى 22 ألف غالون في الدقيقة بعد غلق المنجم؛ وستنخفض الى مستوى خمسة آلاف غالون بعد ذلك، بشكل دائم، كل يوم من السنة، مع العواصف وانقطاع التيار الكهربائي  والهزات الأرضية.في خليج بريستول، يخشى صيادو الأسماك بجميع أطيافهم من السدود، خائفين من امكانية حصول تسريب، أو فشل معالجة المياه؛ فاذا ما حصل ذلك، ستتسرب المياه الملوّثة في الخليج بعد مرورها بدورة مياه عبر المنطقة، أو لربما ستدخل السموم عن طريق أنهر فرعية أخرى تعج بأسماك السلمون، وصولا الى الخليج. هذا الأمر لا يمثل القلق الوحيد، فشركة دايانستي تقترح مد انبوب غاز طبيعي بطول 188 ميلا عبر خليج كوك لتزويد محطة توليد كهرباء بطاقة تكفي لتجهيز مدينة كبيرة بالكهرباء. وستحمل عبارة كاسرة للجليد خامات المعادن لمسافة 18 ميلا عبر بحيرة اليامنا، لترتبط بطريق تم تشييده عبر منطقة لهجرة الدببة، ومن هناك الى ميناء بحري مقترح تشييده مستقبلا.
 
صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية