الرئيس الجزائري يتعهد بإجراء تغييرات دستورية عميقة

قضايا عربية ودولية 2019/12/14
...

 الجزائر / وكالات
أعلنَ الرئيسُ الجزائري المنتخب، عبد المجيد تبون، أن الإجراء الأول الذي سيتخذه في منصبه هو إطلاق مشاورات بشأن تعديلات دستورية عميقة لطرحها على استفتاء شعبي عام.  وقال تبون، في أول مؤتمر صحفي عقده عقب انتخابه رئيسا جديدا للجزائر: “القرار الأول الذي التزمت به يكمن في أن يشعر الشعب في الأشهر الأولى بالصدق في الالتزامات، أي الالتزام مع الحراك ومع الجزائريات والجزائريين، وهو أننا نمشي بسرعة نحو التغيير، وما يجسد التغيير هو الاتجاه الجديد للجمهورية الجزائرية عبر الدستور، بتغيير عميق للدستور مع كل من يهمهم الأمر”.
وأضاف تبون: “قريبا جدا سأدعو العائلة الجامعية وأساتذتنا في القانون الدستوري والطبقة المثقفة وجميع من يهمهم الأمر للمشاركة في إثراء الدستور”.
وأوضح أن “المسودة الأولى للدستور ستطرح للنقاش في الداخل وعند جاليتنا في الخارج، ثم تطرح لاستفتاء شعبي”، وتابع: “وحين يوافق الشعب على الدستور الجديد سنقول إننا حقيقة في الجمهورية الجديدة”.
وكشف الرئيس الجزائري الجديد عن أنه سيبدأ قريبا “مشاورات” بشأن الموضوع، وأن البرلمان من شأنه أن يناقش التعديل الدستوري، ولكن الشعب هو الذي يقرر ما إذا كان سيحظى بالشرعية، متعهدا بإجراء تغييرات جذرية في الدستور بسبب وجود ثغرات فيه، وأشار إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الجديد وإعطاء المرونة لجميع المؤسسات لكي تلعب دورها.
كما أكد تبون، خلال المؤتمر، أنه سيجري تغييرا في قانون الانتخابات وسيفصل نهائيا المال عنها، حتى يتمكن الشباب من الترشح، وستكون مصاريف الانتخابات للشباب على عاتق الدولة، مشددا في الوقت نفسه على أن يده ممدوة للحوار مع الحراك الشعبي داعيا إلى بناء جمهورية جديدة بعيدا عن الإقصاء والتهميش.
وفاز تبون، البالغ 74 عاما من عمره، في الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت يوم 12 كانون الاول الجاري بحصده 58.15 بالمئة من أصوات الناخبين.
وأجريت الانتخابات الجزائرية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تغيرات كبيرة في السلطة السياسية على خلفية حراك شعبي واسع ومستمر بدأ يوم 22 شباط 2019، قبيل الانتخابات الرئاسية المخطط لها في حينه ودفع الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، البالغ 82 عاما من عمره والذي يعاني من مشاكل صحية، للتخلي عن الترشح 
لولاية خامسة.
استقالة مرشح
بدوره أعلن عبد القادر بن قرينة، مرشح الانتخابات الجزائرية ورئيس حزب “حركة البناء الوطني”، استقالته من حزبه. 
وقال بن قرينة إنه سيقدم طلب إعفائه من منصب رئيس الحركة، وأن القرار الأخير يعود للحزب ومؤسساته، مضيفا أنه سيتعامل مع الوضع السياسي الجديد للبلاد من دون الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية، وذلك “حفاظا على استقرار البلاد ولمصلحة الشعب الجزائري من أجل استكمال مسيرة تحقيق مطالبه”.
من جهته، هنأ عبد العزيز بلعيد، رئيس “حزب جبهة المستقبل”، عبد المجيد تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية متمنيا له كل التوفيق.
وامتنع بلعيد عن التعليق على نتائج الانتخابات، مشيرا إلى أن “مستقبل الجزائر هو الأهم”.
 
موقف رئاسي
وفي اول موقف على الصعيد الدولي علق الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبون، خلال مؤتمر صحفي على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقال تبون: “لن أجيب ماكرون على ما جاء على لسانه.. هو حر في تسويق بضاعته في بلاده” على حد تعبيره. 
وأضاف: “أنا انتخبني الشعب الجزائري.. ولا أعترف إلا بالشعب الجزائري”.
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد دعا السلطات الجزائرية لبدء حوار مع الشعب الجزائري، بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد في اقتراع رفضه المتظاهرون.
وقال الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحفي في بروكسل: “علمت بالإعلان الرسمي عن فوز السيد تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية من الجولة الأولى”، مشددا على ضرورة “بدء حوار بين السلطات والشعب”.  
وقال رئيس الجمهورية، تعليقا على تصريح ماكرون: “هو حر في تسويق البضاعة التي يريد في بلده، أنا لا أعترف إلّا بالشعب الجزائري الذي انتخبني”.
في الوقت نفسه علق تبون، على أزمة بلاده مع المغرب، وقال تبون ان بشأن غلق الحدود بين البلدين “الأزمة مع المغرب وإغلاق الحدود لها أسبابها، وزوال العلة يكون بزوال أسبابها”. 
 
عبد المجيد تبون
تبون هو الرئيس الثامن في تاريخ الجزائر، ولد  في مدينة النعامة غربي الجزائر، في 17   تشرين الثاني عام 1945، أي انه يبلغ من العمر 74   عاما، وتخرج في المدرسة الوطنية للإدارة، وتحديدا في اختصاص اقتصاد ومالية سنة 1965، وشغل بعد تخرجه عدة وظائف منها أمين عام ومحافظ لعدد من المدن الجزائرية.
تقلد تبون عدة حقائب وزارية، إذ  تم تعيينه في الفترة بين عامي 1991 و1992 وزيرا منتدبا بالجماعات المحلية، وفي سنة 1999 تقلد منصب وزير السكن والعمران، ثم منصب وزير الاتصال في 2000 في حكومة أحمد بن بيتور، ثم عين وزيرا للسكن والعمران مرة أخرى بين سنتي 2001 و2002 في حكومة علي بن فليس.  
ابتعد تبون عن الساحة السياسية أكثر من عشر سنوات، قبل أن يعيده الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة في حكومة عبد المالك سلال، إذ عين وزيرا للسكن والمدينة سنتي 2013 و2014، ثم تقلد منصب رئيس الحكومة رسميا، في 25  أيار 2017، وأقيل يوم 15  آب 2017. بعد إعلان ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، قدم تبون العديد من الوعود الانتخابية منها تعزيز الديمقراطية وحرية الصحافة وتمكين المرأة وإطلاق إصلاحات مهمة، وتعهد بإطلاق مراجعة واسعة لدستور البلاد، كما وعد تبون بدعم دور الشباب ورفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء الضريبة على الرواتب المنخفضة، وتطوير البنية التحتية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الجزائري بدر الدين زواقة إن فوز تبون جاء مفاجئًا للحراك وللشعب الجزائري، وأضاف زواقة   قائلا: “لكن المتابع للواقع السياسي يعتبر فوزه طبيعيا لأن الحراك انقسمت هويته، مع تشتت الأحزاب التقليدية، لذلك استطاع عبد المجيد تبون، بذكائه، أن يستفيد من جميع هذه التناقضات الموجودة في الحراك والطبقة السياسية”.
وتابع أن “شباب الحراك يعتبرونه امتدادا للسلطة السابقة، ولكن كثيرا من النخب يعتقدون بأنه ليس من بقايا النظام السابق، لأنه يعتبر أول من فتح ملفات الفساد وبمجرد تطرقه إلى هذا الملف أقيل فورا، فمن الواضح أن هناك اختلافا على انتمائه السياسي وحالة التناقض هذه تعيشها الجزائر بشكل كبير”.
 
تحديات مقبلة
ويواجه الرئيس الجزائري الجديد، تحديات عديدة،  ولا سيما أنه يصعد إلى رأس السلطة محاطا بأشواك أزمة سياسية لم تشهد البلاد لها مثيلا منذ عقود، وأوضاع اقتصادية عاصفة وهجمات شرسة للانتقاص من شرعيته بعد الفوز في انتخابات شهدت إقبالا ضعيفا في ظل معارضة حركة احتجاجية ضخمة.  وتأمل السلطات أن ينهي انتخاب رئيس جديد الاضطرابات المستمرة على مدى عدة أشهر منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 عاما في سدة الرئاسة، في نيسان الماضي عندما سحب الجيش دعمه له إثر تظاهرات حاشدة. لكن المتظاهرين يرفضون الانتخابات برمتها، ويعتبرونها خدعة مدبرة من قبل سلطات يلفها الغموض ويدعمها الجيش لإخماد الانتفاضة المستمرة منذ أشهر لاستعادة النظام 
السياسي القديم.
وأثناء توليه وزارة الإسكان، كان تبون مسؤولاً عن بناء المسجد الأعظم في الجزائر صاحب أطول مئذنة في العالم، وهو مشروع دفعت به الحكومة كرمز وطني، وعن توسيع نطاق البرنامج الحكومي السخي لبناء منازل منخفضة التكلفة ليشتمل على مليون شقة جديدة. ويقول مسؤولون إن 40 بالمئة من الناخبين أدلوا بأصواتهم، وهو ما يكفي لإضفاء الشرعية على العملية. 
لكن المتظاهرين والمتعاطفين معهم الذين قاطعوا الانتخابات يمكن أن يطعنوا في التفويض الذي حصل عليه الرئيس الجزائري الجديد. ونظرا لغياب قيادة واضحة للحركة الاحتجاجية، يبقى السؤال المحير مع من سيتفاوض تبون على مسار يحظى بالقبول على نطاق واسع للمضي قدما. وبالإضافة إلى الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، يواجه تبون أصعب وضع اقتصادي تشهده الجزائر منذ عقود، مع تراجع عائدات الطاقة والتخفيضات الصعبة في الإنفاق الحكومي. وانخفضت صادرات الطاقة، وهي مصدر 95 بالمئة من عائدات الدولة، بنسبة 12.5 بالمئة هذا العام. واستنفدت الحكومة أكثر من نصف احتياطياتها من العملات الأجنبية منذ بدء انخفاض أسعار الطاقة في عام 2014، ووافقت على خفض الإنفاق العام بنسبة 9 بالمئة العام المقبل، من دون المساس بالدعم بالغ الحساسية من المنظور السياسي.  
كما أقرت قواعد استثمار جديدة لكي تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصص أغلبية في “القطاعات غير الستراتيجية”، وتسهل على شركات النفط العالمية العمل مع شركة الطاقة الحكومية سوناطراك.  وكان تبون ينظر إليه خلال سنوات عمله وزيرا في حكومة بوتفليقة على أنه من التكنوقراط. وشغل منصب رئيس الوزراء في عام 2017 ليُعزل بعد أقل من ثلاثة أشهر عندما تعرّض إلى رجال الأعمال الكبار ذوي النفوذ في الحلقة المحيطة بالرئيس، وكثير منهم في السجون الآن بتهمة الفساد.
وحاول تبون، كغيره من المرشحين، تسخير حركة الاحتجاج واستغلالها كمصدر للتأييد من أجل الإصلاح في الوقت الذي يرفض فيه جوهر رسالتها بتنحية النخبة الحاكمة برمتها وإبعاد الجيش عن السياسة.
واستغل الملابسات التي أحاطت بالفترة الوجيزة التي قضاها في رئاسة الوزراء عام 2017 لتلميع صورته وتعزيز أوراق اعتماده بوصفه شخصية نزيهة وقفت في مواجهة بوتفليقة. وتعهد خلال حملة الانتخابات “بفصل المال عن السياسة”.
ومع ذلك، اعتقل ابنه أيضا في عملية التطهير التي أعقبت سقوط بوتفليقة، وهو الآن بانتظار المحاكمة بتهمة الكسب غير المشروع. ويقول أنصار تبون إن محنة ابنه شاهد ودليل على استقلاله عن السلطات 
المدعومة من الجيش.