لا تغلقوا أبواب السعادة!

آراء 2019/12/16
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
لايختلف اثنان على أنّ البنى التحتية والفوقية لقطاع التعليم، كما هي حال اغلب القطاعات في العراق، تعاني الكثير من الخلل، نتيجة تراكمات الزمن، ومرور البلد في منعطفات حادة، تسبّبت على الدوام في عرقلة وايقاف مساعي النهوض بواقع الحياة في جميع مفاصلها، ومثل هذه المنعطفات، لاتكاد تنتهي، مثل جزيرة صغيرة، تواجه الاعاصير الشديدة، بسبب متاخمتها للبحار..
وإذا اردنا الحديث عن مواطن وبواطن الخلل في التعليم فهي كثيرة، ليس أقلها ارتباك المناهج، وعدم مواكبة طرائق التدريس لما يشهده العالم من أساليب حديثة متطورة، ولا تنتهي المشاكل، عند اكتظاظ الصفوف وقلة المباني، ووجود المدارس الطينية، وشيوع التدريس الخصوصي، وغير ذلك الكثير.
نعم، كانت هناك خطط ومشاريع واجراءات لتحسين واقع التعليم، وقد حققت تلك الإجراءات شيئا من المعالجة، ولكن الواقع، لم يشهد الكثير من التغيير، وكان بالإمكان ان يكون الحال افضل مما كان، لولا التحديات الجسام، ومنها تحدي الفساد الذي عصف بواحد من اكبر المشاريع في قطاع التعليم، وهو مشروع بناء آلاف المدارس في جميع المحافظات الذي أطلق عام 2011، وكان من المقرر ان ينجز على مرحلتين بعد ثلاث او اربع سنوات، ليتم حل مشكلة قلة المباني، ومن ثمّ، معالجة مشكلة الاكتظاظ المرعب في الصفوف، يساعد على ذلك، وجود ملاكات تعليمية وتدريسية كثيرة، يمكنها ان تغطي الحاجة بالكامل، فقط هي بحاجة إلى تأهيل وفق الأساليب والطرائق الحديثة للتعليم ..
ولكن وعلى الرغم من كل تلك التحديات، وهذه نقطة لا بدّ من الإشارة اليها، ان نسبة الالتحاق الصافي في الدراسة الابتدائية، شهدت ارتفاعا في معدلاتها خلال السنوات الماضية وصل إلى 93 ٪.
ومعنى ذلك، ان التعليم، على وجه التحديد، ينبغي ان يستمر، تحت اي ظرف كان، لانه يمثل نواة الحياة، ومرتكزها ومنطلقها، ولذلك أقول، ان عملية الربط بين عدم الدوام في المدارس والجامعات التي تشهدها اغلب المحافظات منذ اكثر من شهرين، وبين سوء ورداءة واقع التعليم، تبدو معادلة غير منطقية، وان من يرى في هذا التعطيل، خطوة باتجاه اصلاح الواقع ومحاربة الفساد، هي الأخرى اجدها غير مناسبة، فمن منا يرضى بان يتوقف أبناؤه عن الدراسة، وهو الذي يعد لهم الايام عدّا؟ وفي ظل هذا المشهد الحزين (مشهد إغلاق الكثير من المدارس وإجبار الملاكات التعليمية على عدم الدوام) مازال البعض يقول، وما الضير في ان يتعطل الدوام عاما دراسيا واحدا، مقابل تعطل  الحياة في البلد لأكثر من 16 سنة مضت؟!!!.
أعتقد ان ربطا من هذا القبيل لا يبدو سليما، لاننا عندما نعطل التعليم عاما او حتى أياما، انما نعطل فرصة للاصلاح. 
يقول الشاعر (تعلموا، فالعلم مفتاح العلى ... لم يبقِ بابا للسعادة مغلقا).. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، يمكنني القول، ان الواقع المتردي للتعليم في العراق، وكما ذكرت في مستهل الكلام، يعاني خللا بنيويا كبيرا منذ مطلع التسعينات، ولكن إن سوء الحال وتردي الواقع، وتهالك البنى التحتية لم تكن يوما مانعا من التميز، بدليل ان الاول على العراق في القسم العلمي للعام الماضي، تخرج من مدرسة طينية في احدى قرى ذي قار البعيدة..
ولذلك، ينبغي علينا أن ندفع بقوة نحو انتظام الدوام في المدارس والجامعات، فليس هناك ما هو أثمن وأهم من التعليم .. فكل بلدان العالم التي سبقتنا، انما استثمرت في التعليم لبناء موارد بشرية متطورة قادرة على قيادة دفة البناء.. والختام، إذا نجحنا في احداث التغيير المنشود، وتمكنا من تذليل وازالة كل العقبات التي تواجه واقع التعليم - وليس إيقاف الدوام من ضمنها- سنكون قُبالة مشهد جديد مختلف .. التعليم يجب ويجب أن يستمر ولا يتوقف، ففي عام 2002 وبرغم الظروف التي واجهها العراق، لم يتوقف التعليم الا شهرين.. فلماذا نوقفه الان؟ فهدف التظاهرات والحراك الشبابي هو فتح افاق وابواب جديدة لسعادة العراقيين.