ثلاث بديهيات

آراء 2019/12/17
...

نوزاد حسن
 
أظن أنّ ما يحدث في البلاد يغيّر بديهيات كثيرة اعتاد الناس على الايمان بها. فما تراه الشعوب الأخرى بديهيا وضروريا لا يكون بطبيعة الحال بديهيا في بلدي.
على سبيل المثال تعد الدول التي تملك نفطا وفيرا دولا غنية وينظر العالم الى ذلك السائل الاسود نظرة حسد. ويكون الشعب الذي لديه هذه الثروة المغرية محظوظا ومستمتعا بحياته.
عندنا تنتهي هذه البديهية لأننا حقا نملك نفطا غزيرا لكنّنا لسنا سعداء كغيرنا. كما اننا لا نشعر بأن النفط غيّر حياتنا نحو الاحسن. اكتشفنا في الواقع حقيقة عجيبة تقول إنّ المهم ليس وجود النفط وانما ادارة هذه الثروة الرائعة. والادارة كما يعلم الجميع تتطلب نظاما سياسيا قويا يدير عملية التطور باستمرار.
إذن النفط مجرد سائل اسود قد يهدر وتضيع قيمته ان لم تكن الحكومات قادرة على استثماره بصورة جيدة.
بديهية ثانية فشلت عندنا بشكل واضح وهي وجود الاحزاب والحياة البرلمانية.
هنا وهناك تنتقل حياة الشعب من حال الى حال بعد الاعتماد على الانتخابات في تغيير السلطة وليس عن طريق الانقلابات. ومع اننا بلد ديمقراطي يمارس الانتخابات كل اربعة اعوام مع ما يرافق الانتخابات عادة من مشاكل اعتدنا عليها الا اننا لا نحس بأن الديمقراطية نمت جيدا خلال الستة عشر عاما المنقضية. 
ولعل انتخابات 2018 كانت علامة فارقة في تاريخ كل السنوات التي مارسنا فيها الادلاء باصواتنا. ذلك لانّ شبهات التزوير والتدقيق من قبل لجنة القضاة المنتدبين، وحرق الصناديق كل هذا جعل من القضية انتخاب برلمان جديد عملية غامضة وغير مقنعة. هذا يعني بكلمة أخرى أنّ المحاصصة طيلة الاعوام الماضية كانت ثمرة سيئة المذاق لنظام انتخابي تشارك فيه احزاب مختلفة. ألا يدل هذا ان الانتخابات لم تكن وسيلة حقيقية للتغيير، وصعود قوى مستقلة بعيدة عن لعبة المصالح.
البديهية الثالثة التي فشلت عندنا ونجحت عند من نجحت عندهم ان الحديث عن مصلحة الوطن، وخدمة المواطن، ومحاولة تقديم احسن الخدمات له كان ينبغي ان لا تعرقل اختيار رئيس جديد خلفا للسيد عبد المهدي الذي استقال بعد تظاهرات تشرين.
نقاشات طويلة بين الكتل السياسية، ولقاءات وترشيح أسماء دون الوصول الى نتيجة. لذا يمكننا طرح سؤال مهم عن كل ما سمعناه من أحاديث تبث يوميا لمسؤولين عن أهمية تغليب المصلحة العليا للوطن لم يحسم قضية اختيار رئيس الوزراء، وقانون الانتخابات ايضا. 
ماذا يعني هذا؟، لماذا نملك أطنانا من الكلمات عن اهمية التنازل عن المصالح الشخصية والابتعاد عن المحاصصة دون ان نلمس ذلك لمسا حقيقيا ينعكس في قرارات الكتل السياسية، ما يثير استغرابي هو عدم وجود صلة بين ما قاله السياسيون وما يقولونه عن انقاذ البلد وبين التسريع في حسم بعض الملفات تلبية لمطالب المتظاهرين.
أظن أّنّ الدول التي تختار رئيس وزرائها بسلاسة وسهولة هي دول محظوظة وهادئة العقل، لكننا لم نصل بعد الى هذه المرتبة السياسية التي لا أعرف متى نراها تتمثل في أرض الواقع.