روبرت أتكينسون ترجمة: شيماء ميران
في الوقت الذي تعمل إدارة ترامب على انهاء المرحلة الاولى من الاتفاق لانهاء حربها التجارية مع الصين، يكون من السهل التركيز على السياسات والممارسات المجحفة التي تحاول اميركا إجبار الصين على التوقف عنها. برغم من اهمية نجاح الرئيس ترامب وحلفاء اميركا اخيرا بإجبار الصينيين على التوقف عن ممارسات مجحفة كسرقة الملكية الفكرية مثلا، لكن من السذاجة الاعتقاد بانه سيكون كافيا بالنسبة لاميركا لتحقق قيادة العالم في مجال الصناعات المستقبلية.
في الحقيقة ان الصين وضعت نفسها قائدة للعالم في العديد من تلك الصناعات ليس فقط لإستهزائها بقواعد التجارة العالمية، لكن لإستثمارها بشكل ذكي ايضا في التقنيات التأسيسية مثل 5G، والهويات الرقمية والمدفوعات الالكرتونية.
حان الوقت لاميركا ان تتبع ستراتيجيات القيادة والتطوير الوطنية الفاعلة للصين لدعم تطور هذه التقنيات، وبذلك سيحرك نمو الانتاجية الاميركية فيساعد اميركا على منافسة الصين.
تفوق الصين بجميع المجالات
احد الجوانب الرئيسية لموجة الابتكار القادمة في مجال تكنولوجيا المعلومات هو احتمالية تحويل
جميع الصناعات وليس فقط قطاع التكنولوجيا نفسه. لكنها مهمة بالنسبة للحكومات لرسم سياسات تساعد على تسريع التحول. وذلك ما تفعله الصين في سعيها لتكون قائدة العالم في اقتصاد تكنولوجيا المعلومات.
تمتلك الصين خطة طموحة لتأسيس شبكة طاقة ذكية شاملة وطنية، مع الانتهاء من المرحلة الاولى خلال سنتين. بينما الولايات المتحدة الاميركية لا تملك خطة كهذه; بل تعتمد على تقدم الدول كيفما اتفق.
تعد الصين موطن ما يقارب نصف عدد "المدن الذكية" في العالم. فمثلا "City Brain" في مدينة هانغتشو، وهي منظومة تنظم الاشارات المرورية ومسارات سيارات الاسعاف اثناء طريقها الى المستشفيات، إذ يمكنها تحويل الاشارات الحمراء الى خضراء. بينما تمتلك عدد قليل من المدن الاميركية مشاريع ذكية كهذه، وقد استثمرت الحكومة الفيدرالية 160 مليون دولار فقط فيها.
بالحديث عن منصات تكنولوجيا المعلومات الرئيسية فالصين تحقق تقدما سريعا فيها، وهي على استعداد لتقود تداول تكنولوجيا5G اللاسلكية، فيما تقع جزء من الحكومات المحلية تحت ضغط بكين للقيام بكل ما يمكن لتحفيز استخدامه مثل تقديم إعانات مالية لشركات
النقل.
في المقابل العديد من المدن الاميركية ترى ان 5G مشروعا يمكن ان يدر ارباحه من خلال فرض رسوم مرتفعة على الشركات الناقلة التي تسعى الى نشر البنى التحتية اللازمة. وتقود الصين ايضا الولايات المتحدة في مدفوعات الموبايل والهويات الرقمية عن طريق اضافة رقاقات لجزء من الهويات الرقمية الصادرة عن جهات حكومية، لكن الولايات المتحدة تأخرت في كلا المجالين.
اميركا بحاجة للجدية
تواجه اميركا ثلاث تحديات فيما يتعلق بتخطيها للصين في مجال السيطرة على مستقبل العالم الرقمي: اولها، تمسك العديد من الاقتصاديين وصنّاع السياسة الاميركان بالاعتقاد ان الاسواق الحرة كافية لتسيير الابتكار بفاعلية، وان اي ستراتيجية وطنية بمجال تكنولوجيا المعلومات سيكون تدخلا حكوميا غير ملائم. اما معظم المسؤولين الصينيين الحكوميين هم مهندسين لكن لا يتمسكون بهكذا مبادئ فلسفية: بل يفعلون ما يُطلب منهم. هذا لا يعني وجوب تبني اميركا التدخل الحكومي الجائر، بل هناك طريقة ذكية بالنسبة للحكومة كي تستثمر دون السيطرة تماما على الاسواق.
التحدي الثاني يتعلق بالمواقف تجاه التكنولوجيا. إذ تشهد الصين تكنولوجيا جديدة تساعد على تحسين المستوى المعيشي. بالمقابل، تقع اميركا في قبضة نخبة يحركهم العداء لشركات التكنولوجيا، فكل تطبيق جديد لتكنولوجيا المعلومات يتم تشويهه واعتباره قتلا للوظائف، وتعزيزا للتحيز، او إفسادا للخصوصية.. لذا ليس مفاجئا ان يتوصل استطلاع القيم العالمية الى ان 78 بالمئة من الصينيين متفقين على ان "المزيد من التشديد على تطوير التكنولوجيا" امرا جيدا، مقارنة بـ 49 بالمئة فقط من الاميركيين، فإذا كانت اميركا لا ترغب بان تتخلف عن الصين، سينبغي على الكثير من الاميركيين ان يصبحوا مؤيدين للتكنولوجيا مرة
اخرى.
اما التحدي الثالث هو المال. ان التقدم في العديد من هذه المجالات يتطلب استثمار عام، المال بالنسبة للصين لا يشكل عائقا; إذ تخصص اللجنة المركزية ما تراه ملائما. في حين ان اميركا تكافح للتخلص حتى من الحد الادنى للاستثمارات في هذه المجالات. وللتغلب على الصين، ينبغي على الكونغرس ان يخصص ما لا يقل عن عشرة مليار دولار سنويا لتشكيلة منوعة من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات.
لاشيء من هذا معني باقتراح وجوب استنساخ اميركا للجوانب السيئة من السياسات الصينية، مثل حظر الانترنت، الرقابة، او سخاء الامتيازات الخاصة للمشاريع الممولة للدولة. لكن اذا رغبت اميركا تفادي مرور عباءة قيادة تكنولوجيا المعلومات الى الصين، فانها ستحتاج الى المزيد من السياسات الفاعلة لدعم تطبيقات تكنولوجيا المعلومات
الناشئة.
هذا ما قامت به اميركا في تسعينيات القرن الماضي إذ قدمت الحكومة التزاما بربط معظم المدارس بالانترنت، وفي ألفينات القرن الحالي حاولت طرح حيز اوسع الى المزيد من المدارس. لكننا بحاجة للقيام بذلك مرة اخرى – لكن هذه المرة بالمزيد من الصناعات والموارد.
عن موقع Business Insider