رئيس وزراء يامحسنين

آراء 2019/12/18
...

حمزة مصطفى
 
ما أحلى السنوات الماضية، كان اختيار رئيس الوزراء الجديد بعد أي انتخابات برلمانية "نزيهة كلش" آخر همومنا. كنا بدءاً من زعماء  الخط الأول الى العاشر مروراً بالاحتياط والجالسين على المصاطب الى المواطن  العادي الذي كانوا يصرون  قبل التظاهرات على تسميته "المواطن الكريم" ننام رغداً ونحلم أحلاماً سعيدة، خصوصاً ليلة الترشيح. لماذا؟ لأن الموضوع والأمر والشغلة والقضية والقصة مطبوخة حسب المقادير والمقاييس والأوزان والمكاييل. رئيس الوزراء كان  إما يطبخ بالتوافق داخل الغرف المغلقة أو يصل "ديلفري" من دول الجوار كقطع غيار مختلفة ويجري تجميعه داخل القبب المختلفة، مرة قبة البرلمان، مرة قبة الرئاسات الثلاث، مرة قبة الزعامات السياسية ومن ثم يعلن اسمه ونعود للنوم مرة أخرى رغداً بانتظار الطبخة الثانية وهي طبخة الكابينة الحكومية. تلك الطبخة التي إما تتأخر لهذا السبب أو  ذاك أو "تفتر" داخل القبب بانتظار بعض الترتيبات. وفي كثير من الأحيان تكون الترتيبات معقدة بدليل بقاء بعض الوزارات أسابيع وبعضها شهوراً وبعضها سنوات ومنها ما يستغرق كامل الدورة النيابية التي هي أربع سنوات تقويمية، كما  يقول دستورنا الجامد ولم نجد وزيراً لكذا أو وزيراً لكيت.
هذه المرة الأمر اختلف تماماً والسبب هو الانتفاضة الجماهيرية الكبرى التي غيرت معظم المعادلات ومن  بينها معادلة اختيار رئيس الوزراء حتى لفترة انتقالية ربما لبضعة شهور. فلأول مرة منذ 16 عاماً يستقيل رئيس الوزراء قبل أن ينهي دورته أو العهدة على الطريقة الجزائرية. العهدة انتقلت الى الشارع حيث حركة الاحتجاج لا السفارات. الكتل السياسية وإن كانت لاتزال غير مصدقة ماحصل وتتمنى أن تكون كل القصة مجرد كابوس بعد وجبة دسمة على مائدة أحد الزعماء التوافقيين، فإنها بدأت تدرك أن المعادلة قد تغيرت لكنها لاتريد أن تصدق. والدليل القريب جداً هي مسألة البحث عن رئيس وزراء بديل.
المهلة الدستورية انتهت عملياً ولا أعرف إن كان  سيعلن قبيل نشر أوأثناء نشر هذا المقال اسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء. وإذا أعلن في ربع الساعة الأخيرة على الأكثر هل سيكون مرشح الكتل السياسية أم مرشح ساحات التظاهر، أم سيكون توافقياً بين الاثنين. الخيارات المطروحة ضيقة جداً والأسماء المتداولة متباينة من حيث القدرات والكفاءات والانتماءات والتوجهات والخلفيات. ومع ان أحداً لا من الكتل ولا من الساحة أجاب حتى الآن على تساؤل محوري وهو هل ان مهمة رئيس الوزراء القادم سهلة بحيث نبحث عن شخصية تمشي الأمور مثلما نتمناها أم هي مهمة "انتحارية" مثلما وصفتها في مقال سابق هنا وهو مايستدعي ليس اختياراً بل اقناع شخص يقبل أن يكون انتحارياً؟
حتى الآن لاتوجد إجابة على هذا السؤال. فالكتل السياسية ترشح شخصيات قريبة منها أو تلبي مصالحها في حال تم اختيارها وهو مايعني إنها لاتزال تفكر خارج الصندوق مثلما قلت في مقال سابق هنا في "الصباح"، بينما لا أحد يعرف حتى الآن التوجهات الحقيقية لساحات التظاهر بدليل تداول العديد من الأسماء والصور المرفوعة والتي لايوجد إجماع ولو بنسبة معقولة على بعضها. أما ترشيحات الفيس بوك فقد جعلت العشرات ينامون حالمين بالمنصب الذي لم يكلف بعضهم سوى سيلفي في ساحة التحرير.