التضليل تهديد رقمي لتظاهرات الشرق الأوسط

بانوراما 2019/12/20
...

روث مايكلسون ومايكل صافي
ترجمة: خالد قاسم
عندما غردت الصحفية اللبنانية ديما صادق لقطة من هتافات ضد حزب الله، سرعان ما أصبحت هدفا لاساءات رقمية. وكانت ديما ترسل تقريرا لصالح قناة “إل بي سي” من مشهد تظاهرات ضد الحكومة اكتسحت لبنان منذ منتصف تشرين الأول.
ظهر بعد ذلك بدقائق قليلة هاشتاغ “ديما الواطية” وانتشر بسرعة كبيرة آنذاك، وكان الهجوم المنظم المفاجئ مألوفا للصحفية، التي استقالت لاحقا من وظيفتها بسبب المضايقات ضدها.
بينما تستمر التظاهرات المعادية للفساد والتقشف بمناطق عديدة من الشرق الأوسط، هناك عاصفة قوية من التضليل انطلقت ضمن محاولة لحرف النقاش رقميا. وتقول ديما أنها كانت دائما موضع اساءة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تعترف أن بعض الانتقاد القاسي يأتي من قراء ومشاهدين حقيقيين، لكن هناك الكثير من الرسائل المؤذية فهناك ماكنة منظمة تستخدم حسابات مزيفة.
حمل رد الفعل العنيف ضد ديما بصمات هجمات تستخدم مزيجا من “المؤثرين” السياسيين على التواصل الاجتماعي وحسابات مزيفة تعمل لتغذية المشاركة الحية رقميا. وحدد باحثون يتعقبون حملات التضليل على تويتر خلال تظاهرات قصيرة ضد الحكومة المصرية في أيلول الماضي مجموعات للمؤثرين يحشدون الدعم لصالح الحكومة ويشيدون بالقوات العسكرية والأمنية المصرية.
تقول جوي شيا التي تدرس النشاط الرقمي داخل مصر: “هناك مجموعة تدعى “أصدقاء الشعب المصري‘ نشرت عبارة ’لا تجعلوا هذا هاشتاغ رائجا.” في اشارة لحسابات متعاطفة مع مصر ومؤيديها الإقليميين في الخليج.
 
نفوذ خارجي
وجد باحثون بمنظمة “سيتيزنلاب” الكندية للحقوق الرقمية أن التظاهرات الحالية في العراق ولبنان رافقتها حملات مسعورة على تويتر، اذ لعب المؤثرون وخصوصا من الخليج دورا مركزيا فيها.
تفحص الباحثون تفاعلات على تويتر ووجدوا أن الهاشتاغات الرئيسة المستخدمة من قبل المتظاهرين لتقاسم المعلومات عن الاحتجاجات كانت أيضا أهدافا أساسية للتلاعب. وأثبتت المنظمة الكندية كيف أن بعض الأفراد يمتلكون نفوذا كبيرا داخل مواقع التواصل الاجتماعي على الحوار الرقمي بشأن تظاهرات العراق ولبنان وايران رغم وجودهم في مكان آخر. أحد أمثلة ذلك هو “أمجد طه” المعلق البريطاني العراقي المقيم في لندن والناقد الحاد لنظام الحكم الايراني، ويقول مراقبون أن تغريداته تعكس عادة منظور الحكومة السعودية.
يقول أمجد أنه سعيد بمستوى نفوذه: “أصف نفسي المؤثر العربي البريطاني”. 
ونفى سعيه لنشر وجهات نظر مؤيدة للسعودية، لكنه قال أنه اتفق مع برنامج ولي العهد محمد بن سلمان رؤية السعودية 2030 للاصلاحات والتغييرات الحالية التي سمحت للمرأة بقيادة السيارة.
يذكر الباحث أليكسي أبراهامز أن فحص هاشتاغات التظاهرات العراقية أظهر ان المستخدمين من خارج العراق، وتحديدا من الخليج، لهم تأثير أكبر في ضوء الانقطاع المتكرر للانترنت والاستخدام المحدود لتويتر بين المعلقين المحليين.
تخضع حملات التضليل الرقمي عن الشرق الأوسط للتحالفات الاقليمية المتشكلة بعد حصار قطر 2017، والتي تسبب دعمها للاسلاميين بالمنطقة بإثارة غضب مجموعة مؤلفة من حكومات السعودية والامارات والبحرين ومصر.
درس مارك أوين جونز الباحث بجامعة حمد بن خليفة الارتفاع السريع في استخدام روبوتات الانترنت و”تسليح مواقع التواصل الاجتماعي” منذ فرض الحصار على قطر. وهذه الروبوتات هي برامج تلقائية تنفذ مهاما متكررة بكميات كبيرة، للخير أو الشر، ويمكن استغلالها لغرض المشاركة المزيفة مع هاشتاغ معين من أجل جذب مستخدمين حقيقيين الى الموضوع.
ذكر مارك في تحليل نشره رقميا عن هاشتاغ “ادعموا حق الشعب العراقي بالتظاهر السلمي” أن: “من المؤكد وجود حملة تأثير على تويتر لكسب الدعم للثورة العراقية، وأن 20 بالمئة من كل الحسابات المغردة لأحد الهاشتاغات كانت مزيفة.”
 
هويات مجهولة
يؤكد باحثون مثل مارك سهولة اخفاء المسيطرين على تلك الروبوتات لمكانهم، مما يصعب تعقب أصولهم الحقيقية، مع أن أهدافهم واضحة. يقول اوين جونز: “لا أعلم من يقف وراء حملة التأثير في العراق، لكنني حذر من التصريحات القائلة أن هذه الانتفاضة تستمد قوتها من مواقع التواصل الاجتماعي، ولا توجد قيادة لها، ومن المهم الحذر تجاه صحة الكثير من المحتوى المنشور لدى تلك المواقع.”
بالنسبة لتويتر فقد منع مؤخرا الاعلانات السياسية، ويغلق الموقع روتينيا الروبوتات والحسابات المزيفة، مع إن محتوى الصفحات الألكترونية يبقى مسموحا به. 
أما فيسبوك فقد تعرض للانتقاد بسبب رفضه منع الاعلانات السياسية المزيفة على منصته. وقد واجه الموقع انتقادات أيضا من نشطاء في الشرق الأوسط بسبب عجزه عن ضبط التضليل المنتشر على شبكته. ففي الجزائر حيث يفضل المحتجون فيسبوك على تويتر لنشر أخبار تظاهراتهم ضد النظام المدعوم عسكريا، بدأ ناشطون بملاحظة ما يصفونه “الذباب الألكتروني” بعد فترة وجيزة من بدء التظاهرات في شباط الماضي.
هذه المشكلة واسعة النطاق الى درجة أن مجموعات فيسبوك موجودة حصرا لتعقب الظاهرة. تحول هذا الموقع أيضا الى مكان لتقويض الديمقراطية التونسية، بعد أن كان أداة مهمة استخدمها مؤيدو الديمقراطية الذين أطاحوا بالدكتاتور زين العابدين بن علي خلال الربيع العربي 2011. 
ووجد تقرير لمجموعة أبحاث ألمانية نشرته في أيلول الماضي أن فترة التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التونسية الأخيرة تزامنت مع تدفق بالمحتوى السياسي على صفحات فيسبوك بدون روابط رسمية مع أي حزب أو مرشح.
وكان فيسبوك قد أعلن خلال آيار الماضي اغلاقه 265 حسابا على منصته وانستغرام “شاركت بسلوك زائف منسق” ونشأ ذلك السلوك المؤذي في اسرائيل وأصاب دولا مثل نيجيريا وأنغولا وتونس.
يظهر اغلاق إحدى الصفحات التونسية صعوبة كشف الحقيقة بمسألة التضليل، وكانت الصفحة تحمل اسم “أوقفوا التضليل والأكاذيب في تونس”.