حسين الصدر

يحتل الجانب الأخلاقي موقعاً متميزاً في الاسلام حتى قيل:

إنّ للاسلام ثلاث ركائز أساسية هي:

1 – العقائد الحقّة (ويقصد بها أصول الدين من التوحيد والنبوة والمعاد مضافا الى العدل والأمامة – عند الامامية -.

2 – الأحكام والتشريعات في كل مناحي الحياة. 

3 – الاخلاق بكل ما تقتضيهِ مِنْ تمسك بأهداب الفضيلة وابتعاد عن المفاسد والرذائل...

ومن مظاهر الخُلق العالي مشاركة الجلساء بالهدية تُقدّم اليك ففي الخبر: (جلساءُ الرجل شركاؤه في الهديّة) 

وجاء أيضاً: (اذا أُهدي الى الرجل هديةُ طعامٍ وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها – اي في الهدية – الفاكهة وغيرها).   الوسائل / ج12 /ص218.  من غير السليم ان تعمد الى الاستئثار بما يُهدى اليك بمحضرٍ من أصحابك دون ان تُنيلهم شيئا منها، ولعلهم يتوقعون ذلك منك. ومن الجميل أنْ تبادر الى تقديم شيء مما أُهدي اليك من الطعام او غيره اليهم، وبذلك تشعرهم انك تريد لهم ما تريد لنفسك. وهذه هي المواساة الصادقة والاخوة الرائقة. ومن طريف ما نُقل في هذا الباب:

 إنّ شاعراً كان في مجلس أحد العلماء وجيء بهدية لهذا العالم الديني كانت عبارة عن مجموعة من الديكة وغفل العالم المذكور عن تقديم واحدٍ منها الى الشاعر فكتب اليه يقول:أحبُّ بأنْ أصلي كلَّ يومٍ وراءَك بالعَشيِّ وبالغداةِ 

ولكنْ ليسَ لي في الدار ديكٌ 

يُنبهُنِي لأوقاتِ الصلاةِ

وقد أجاد الشاعر في هذين البيتين وأحسن أيما اجاده واحسان، فمن عادة الديك أنْ يبدأ مع طلوع الفجر وحلول وقت الصلاة برفع صوته، الذي اتخذه الشاعر اشارة تحثه للاسراع الى الصلاة وراء ذلك العالم الديني ..!!وهذا في حال وجود الديك عنده والاّ فلا يتاح له ذلك ..!!ثم انه سعى الى الحصول على أحد الديكة بأسلوب أدبيّ بارع ملفت للنظر. ولا نحسب انه حرُم من ذلك، اذ ليس من اللياقة أن يُرد خصوصاً بعد ان جاء الطلب موّشى بالقصيد الباهر.

وعلى كل حال فإن الشاعر كان على دراية باستحقاقه المشاركة في الهدية المقدمة للعالِم، وحين حُرم منها أرسل (البرقية) المناسبة لوصول حقه اليه ..!! وكان أحدهم حاضراً في مجلس أحد كبار العلماء، وفي الاثناء جاء رجل وقدّم مبلغاً من المال بعنوان (الحقوق الشرعية)، الأمر الذي حرّك ذلك الرجل الحاضر فقال للعالم:

ما هو إعراب (من نَظَر شَارَكَ)؟ فأجابه قائلا مازحا: الجملة هنا لا محل لها من الإعراب..!! وكان المُجيب مشهوراً بالبخل..!!ولَمَحَ احدهم طبقاً من التين وهو يدخل الى مجلس صديق له، فعمد هذا بسرعة الى تغطية التين وستره. وحين استقرّ به المجلس قرأ: ( والزيتونِ وطورِ سينين) 

فقال له صديقه:

وأين التين؟لأنّ الآية المباركة تبدأ بقوله تعالى (والتينِ والزيتونِ) 

فأجابه :أنت غطيتَه وسترتَه ..!!

اي انك حجبْتَهُ عنا،

ومنعتنا من المشاركة في أكلِه ..!!

إنّ مشاركة الجلساء في الهدية انما هي مفردة من مفردات منهج اخلاقيٍّ قويم يقوم على أساس الحب للآخر وتمني استمتاعه بما تستمتع به من ملاذ.

وهذا المنهج كفيل بتعميق أواصر الصلة بالاخوان واشاعة روح التراحم والتكافل والتعاون.