حرائق كاليفورنيا والتفاوت الطبقي
بانوراما
2019/12/21
+A
-A
فرانسين كيفير
ترجمة: مي اسماعيل
عاشت كاليفورنيا أياما تحت ظل حالة الطوارئ والاجلاء الاجباري، وحاربت الانتشار السريع لنيران حرائق الغابات وتعاملت مع القطع الاستباقي الواسع للكهرباء؛ وتزامن ذلك مع عمليات محاربة النيران التي تعقدت بفعل الرياح الموسمية العالية. جميع تلك الظروف ليست بالأمر الجديد في كاليفورنيا؛ لكن انقطاع التيار الكهربائي كان قليل الوقوع في الأجزاء الشمالية من الولاية.
فقد نحو مليوني شخص الطاقة الكهربائية بعدما أوقفت شركة "باسيفيك للغاز والكهرباء" العملاقة تجهيز الطاقة في عملية مسبقة التخطيط بهدف.. "ضمان السلامة العامة"؛ وهي الجولة الثانية من القطع الواسع خلال أقل من شهر، وجولات أخرى متوقعة. تقدمت شركة باسيفيك بطلب للحماية من الافلاس بعد مواجهة دعاوى قضائية بسبب موجات حرائق سابقة، وهي اليوم تصف تلك القطوعات بأنها.. "مسار الحال الاعتيادي الجديد"؛ الضروري لمنع اشتعال معداتها ونشر الشرارات الكارثية تحت ظروف الجفاف والرياح العالية.
تقول الشركة أن فترات القطع خلال موسم الجفاف قد تستمر عقدا كاملا، بينما تبحث تحديث شبكاتها الواسعة. فإذا كان ذلك "مسار الحال الاعتيادي الجديد"؛ فإن تبعاته على حيوية خامس أكبر اقتصاد في العالم والقاطنين ستكون واسعة. ومن المخاوف الكبيرة أنه سيفاقم مشاعر عدم المساواة في الولاية؛ إذ سيتمكن الأثرياء من انتاج حاجة منازلهم وأعمالهم من الطاقة بواسطة المولدات وبطاريات خزن الطاقة، بينما يبقى السكان ضعاف الحال ومصالحهم عرضة للمتاعب. يقول "ميشيل وارا" مدير مشروع سياسة المناخ والطاقة بجامعة ستانفورد: "سيتجه سكان كاليفورنيا الاغنياء لانتاج طاقتهم؛ لكن التساؤل الحقيقي يكون حول مساعدة منخفضي الدخل لمواجهة هذا التحدي".
انتاج خاص للطاقة
يمتلك "جيم بوديش" الساكن بمنطقة "وادي ميل" نظام توليد بواسطة الطاقة الشمسية، ويدير مكتبا للتأمين من منزله. لكن العديد من مستخدمي الطاقة الشمسية لا يعلمون أن ألواح التوليد تكون غير ذات نفع حين تتوقف شبكة توليد الكهرباء عن العمل، وأنه يجب خزن الطاقة في بطاريات ليستمر التجهيز.
بعد الاعلان عن القطوعات المستقبلية اشترى بوديش بطاريتين من انتاج "تيسلا"، وهما لوحان كبيران باللون الابيض يعلقان على جدار المرآب، كانت كلفتهما (مع باقي التجهيزات) نحو 17 ألف دولار. استطاعت الاسرة تشغيل جميع الاجهزة المعتادة بالطاقة الشمسية من دون خلل أو تلكؤ: الاضاءة والمجمدة ومضخة المسبح وغيرها.. لكن المشكلة أنهم فقدوا خط الانترنت، الذي يبدو أنه متصل بشبكة الكهرباء المركزية. لم يستطع بوديش الاعتماد على خط الهاتف لتأمين الانترنت (وهو السبب الأساسي لشرائه البطاريات الشمسية)؛ لذا بات مضطرا للذهاب لأحد المقاهي مع حاسوبه المحمول لإنجاز أعماله اليومية.
يعتزم بوديش اقتسام كمية الطاقة الفائضة لديه مع جيرانه الأقل اقتدارا ماليا؛ قائلا: "أنظر الى الطاقة التي يستخدمها الانسان لحياته اليومية بأنها توازي الرعاية الصحية؛ ويجب أن يتمتع بها جميع الناس. ويجب ألا يُحرم منها أحد لأنه لا يستطيع دفع كلفتها".
خسارة الطعام
تقع مدينة "مارين سيتي" الصغيرة على بعد عشر دقائق بالسيارة من مسكن بوديش؛ وتشكل مجتمعا كان يتمتع بالازدهار والتنوع الذي اجتذب الأميركان الافارقة ليعملوا في ورش صناعة السفن القريبة أيام الحرب العالمية الثانية. وحين أغلقت الورش؛ منعت التفرقة في مجالي السكن والتوظيف الاسر السوداء من الانتقال. اليوم أصبحت المنطقة مأوى لمجموعات غالبيتها من الأميركان الأفارقة الفقراء، لا يمتلكون متجر بقالة محلي ويستخدم بعضهم مساكن مدعومة اجتماعيا؛ لكنهم محاطون بعقارات يعتبر بعضها من الأغلى وطنيا. وصف بعض السكان معاناتهم بعد انقطاع التيار الكهربائي؛ إذ كانوا قد تسلموا أموال برنامج مساعدة التغذية التكميلية، وأنفقوها لشراء البقالة. وحينما انقطع التيار تعرضت الأغذية للتلف، وأغلق مخزن الغذاء الاسبوعي (الذي تديره الكنيسة المحلية) أبوابه.. ورغم امكانية تقديم طلب للحصول على قسائم الطعام التعويضية؛ فإن بعض السكان لم يكونوا على علم بذلك.
تقول "كاثي دوكي" التي تعيش على "مساعدات الحماية الاضافية" (برنامج فيدرالي مخصص لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، من أصحاب الدخل القليل أو المعدوم): "من الذي يستطيع خسارة الطعام؟ لقد آلمني اضطراري لرمي الغذاء". وكانت حالة "كارلا ويد" أسوأ؛ إذ خسرت 807 دولارات هي ثمن دواء كان يجب أن يبقى مبردا؛ لكنه تعرض للتلف بعدما توقف عمل الثلاجة، ولم يعوضها التأمين الصحي عنه.
كلفة غير متكافئة للكوارث
تؤكد الدراسات على الصعيد الوطني عدم المساواة في الكوارث، وبضمنها ما بعد اعصار كاترينا الذي دمر منطقة خليج المكسيك سنة 2005. ووفقا لدراسة مستقلة أجرتها "خدمة أبحاث الكونغرس" كان لكاترينا تأثير متفاوت على الأقليات والفقراء الذين يعيشون في المنطقة؛ كما جاء في التقرير: "من الأرجح أن اعصار كاترينا جعل واحدة من أفقر مناطق أميركا أكثر فقراً". يقول "ميشيل وارا" أن هذه العبارة وردت كثيرا في جلسات الاستماع للجنة حاكم ولاية كاليفورنيا "غافن نيوزوم" حول تكلفة الكوارث الطبيعية ومعالجتها (وهو من أعضائها). فبعد أن ينشب حريق في بلدة ما لا بد من اعادة بنائها، لكن التأثيرات على سكان كاليفورنيا الأكثر فقرا تكون "أشد وطأة" كما يقول..فهم لا يتمتعون بالتأمين ولا يتلقون معونات للعيش بعد احتراق منازلهم. بعد الحرائق ترتفع بدلات الايجار؛ كما حدث لمنطقة سانتا روزا (التي عانت حريقا مدمرا سنة 2017). وهي منطقة حاصرتها النيران ثانية بسبب موجة الحرائق الأخيرة هذا الخريف؛ التي دمرت أكثر من 66 ألف أيكر (267 كم مربع) وتسببت بإجلاء 180 ألف شخص على الاقل؛ مما ضاعف تأثير اللامساواة.
لكن اعادة البناء بعد اعصار مدمر أو حريق أو فيضان لن يكون كمواجهة انقطاعات واسعة للتيار الكهربائي؛ كما يرى السيناتور "هنري ستيرن" عن ولاية كاليفورنيا. يمثل ستيرن مقاطعة ماليبو ويسكن منطقة عاشت أربعة حرائق مدمرة خلال ثلاث سنوات؛ منها حريقان خلال الخريف الحالي. تطبق شركة "ساوثرن كاليفورنيا أديسون" للطاقة أيضا قطوعات للتيار حفاظا على السلامة العامة (وإن لم توازي نسبتها في شركة باسيفيك)؛ فترك نحو 25 ألف شخص من دون طاقة منذ أواخر تشرين الاول الماضي.
قرع على الابواب
شكل الحاكم "نيوزوم" فريق عمل لتقليل تبعات الانقطاعات الكهربائية ورصد ميزانية بنحو 75 مليون دولار لتقليل تأثيرها، كما رسمت خطة لتقديم خدمات مجتمعية للاسر الأكثر فقرا؛ التي يعني استمرار التجهيز الكهربائي لهم مسألة حياة أو موت. من تلك الخدمات: التحول السريع الى شبكات التجهيز الصغيرة "مايكرو- microgrids"؛ وتعني توليد الكهرباء محليا لتجهيز الخدمات الحيوية لمباني مثل المستشفيات ودور الرعاية الاجتماعية ومراكز الاطفاء.
أعلنت الحكومة المحلية حالة طوارئ صحية عند بدء عمليات قطع التيار الكهربائي أوائل شهر تشرين الاول الماضي؛ فأصبح بإمكان السلطات الصحية الوصول لقاعدة بيانات فدرالية تُدرِج أسماء المرضى المحتاجين للرعاية الخاصة أو التجهيزات الطبية (مثل أجهزة التنفس) التي تتطلب تيارا كهربائيا لتشغيلها. لكن تلك القوائم لم تكن شاملة؛ فأرسلت ادارة المقاطعات فريقا من الممرضين المتدربين وتقنيا لخدمات الطوارئ الطبية ليقرعوا على الأبواب لحصر جميع الحالات. كما وفرت السلطات محطات لشحن الاجهزة مثل الهواتف المحمولة والحواسيب وغيرها.. وفي الوقت نفسه قدم أشخاص مثل بوديش خطوط نقل التيار الى جيرانه وعرض استخدام مجمدة منزله لخزن الطعام.
صحيفة كريستيان ساينس
مونيتور الأميركية