في كتابه الموسوم ( أغاني وأناشيد من تراث زاهد محمد ) ..، يكون الاستاذ عبد الرزاق الصافي صاحب انتباهة أُولى في استعادة شاعر مناضل تمترس بوعيٍّ فكريٍّ يساريٍّ مبكراً ، إنه الشاعر المناضل المعروف " زاهد محمد " الذي كان له ُ الدور الريادي في كتابة أناشيد وأغاني السجون العراقية 1949 – 1958 ، حيث تناوبته ُ سجون الكوت وبعقوبة ونقرة السلمان والمواقف المتعددة ، نتيجة لدوره الوطني الشجاع من أجل وطنه وشعبه وحزبه .
كتب الشاعر العديد من الأناشيد والأغاني الثورية ، وكانت تُلحّن وتُغنّى من قبل السجناء أنفسهم ، لتكون الرد الفني / النضالي / الروحي ضد سالبي الحرية ، وتطلُّع الانسان من أجل حياة أنقى ووجود أبقى ومستقبل
أرقى .
لم تكن تلك الأناشيد والأغاني حبيسة السجون ، بل نفذت بسرعة الى البيوت والاجتماعات والمناسبات والشوارع - حيث التظاهرات ، وأصبحت المعادل الموضوعي الثوري لظاهرة القمع والإعتقال ، وقد شاع صيتها بطريقة سابقة حتى على ظاهرة أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ، زمنيّاً
وفنيّاً .
من بين الأناشيد والأغاني التي أحصاها المؤلف : سالم حزبنا ، رف ياحمام ، هذوله احنه ، يرايح للحزب خذني ،عالهودليّه ، تهيّب يل تهز الصوت ، نشيد انصار السلام ، سنمضي ، هب يانسيم ، صباح الخير يبلادي ، جدارية الطاغية ، للتحرر ياشباب ، هاك َ سلاماً ،ياعيد الأحرار . وجميعها تُمثّل السِفر الشعري / النضالي للشاعر ، وقد كانت واضحة ، صادمة ، تُشير الى جهة القصد ، وكأنها ( الأصابع في موقد النار )..، انها البداية السابقة في التأسيس للأغنية السياسية في العراق ، هذه الأغنية التي ارتبطت بنضال الحزب الشيوعي العراقي المجيد ، وقد ازدهرت في السبعينيات تواصلا
ً وتأصيلاً .
الشاعر زاهد محمد ، خمسينيّ التكوين الإبداعي ، وكان بالإمكان ان يكون له دورٌ ريادي في تجديد القصيدة الشعبية إلّا أنَّ إنشداده الى البناء والنمط التقليديين السائدين آنذاك ، وإنشغاله بالهم النضالي والنقابي بطريقة لم تترك لهُ من السوانح مايلتفت الى فكرة التجديد ، حتى أن رسالته في الماجستير - تبعاً لتمسكه بالنمط - كانت عن الشاعر ملّا عبود
الكرخي .
من أشهر قصائده بعد ثورة 14 تموز الخالدة ، قصيدة ( هربجي كرد إوعرب رمز النضال) التي لحنها وغناها الفنان أحمد الخليل ، وانَّ هذه الأغنية / القصيدة مازالت تُلهب احاسيس الشعب العراقي ، وتُساهم في تعزيز وحدة العرب والكرد في الوطن الواحد ، وأُضيف أنَّ للشاعر الكثير من الأغاني العاطفية التي غنّاها مطربو ومطربات الريف : يا ارضنا يا ارضنا ، عين ابعين عالشاطي تلاكَينه ، وغيرها ، إضافة الى أغاني المسلسلات الريفية آنذاك .
من أشهر الأغاني الثورية للشاعر والتي تُردد حتى يومنا هذا ، أغنية ( سالم حزبنا ) وقد كُتبت بتاريخ 31 /3/ 1950في سجن نقرة السلمان حينما كان السجناء يحتفلون بذكرى تأسيس حزبهم المجيد:
سالم حزبنه.. ماهمته الصدمات .. سالم حزبنه
يخسه اليضدنا.. والشعب حي مامات.. يخسه اليضدنه
واحنه المشينه.. عالجسر وسط النار .. احنه المشينه
نحفر بدينه .. كَبرك يالاستعمار.. نحفر بدينه
امشي نزوره .. وانكَرة السلمان .. امشي نزوره
رمز البطوله .. شامخ عله السجّان .. رمز البطوله
سالم حزبنه .. ما همته الصدمات .. سالم حزبنه .
ومن قصائده ذات الملامح الفنية المتميزة ، قصيدة (يالاهب الشوكَ) ..... :
يا لاهب الشوكَ بضلوعي تفتَح ورد
قدّاح عاطر لو خلايا شهد..؟
واتشكّل احروف حُب إو مرحبا إوياهلا
لا تلتهب نار خايف ع الكَلب يبتلا
إو ما بعد يوم ابحياته ايشوف نسمة برد
يالاهب الشوكَ لاتهفت ولا تنطفي
ادريك تلهب غضا
إو لتراب أهلك وفي
يالاهب الشوكَ يل تحت الضلع موكَدك
ماغير حُب الوطن وسط الحشا موكَدك
خلصت اسنين العمر ياحيف نوح إو نفي
يالاهب الشوكَ هم يوم إو تكَول انطفي..؟!
في قصيدة ( يالاهب الشوكَ ) يعتمد الشاعر تنويع التقفية بصورة متناوبة ومتداخلة ( أ ، أ ،ب ، ب ، أ ، ج ، ب ، ج ، د ، د ، ج ، ج ) ..، ومثل هذا التنويع منح القصيدة تلويناً ايقاعياً كاسراً رتابة بناء النمط القديم الشائع في شعره ، إضافة الى الاستفهام والتعجب اللذين زادا من حدّة الايقاع . كما أنَّ التقاطعات بين الورد والعطر والنار أضفت جمالية حسيّة
واضحة .
الشاعر الراحل زاهد محمد ، شاعر الأناشيد والأغاني الثورية ، كان رحيله ُ في المنفى ، لكنَّ حضوره مازال مستمراً في الوطن . ..