ميادة سفر
غابت معظم مظاهر الحرية والتعبير عن الرأي عن كثير من الشعوب العربية خلال العقود والسنوات الماضية، وحين قررت الخروج إلى الشوارع وطرح مطالبها على الملأ والصراخ بصوت عالٍ تعرضت لكثير من المواقف والاعتداءات إن من قبل رجال الأمن أو حتى ممارسات غير سليمة من المشاركين الذين لم يختبروا بعد هذا الأسلوب.
يشكل التظاهر واحداً من تلك الأساليب في التعبير عن الرأي حول قضية ما، أو الاحتجاج على وضع قائم في البلد سواء كان سياسياً أم اقتصادياً، أو حتى لشجب ورفض قرارات أو إجراءات دولية ضد الدولة أو أية دولة أخرى، ويعتبر سمة من سمات الأنظمة الديمقراطية التي تعترف بحق الإنسان بالتعبير عن رأيه، ولربما كان غياب الديمقراطية عن كثير من بلداننا العربية سبباً في سوء استخدام هذا الحق وسوء تصرف من قبل الطرفين، نتجت عنه عواقب مؤلمة وإن أدت إلى وصول المتظاهرين إلى مطالبهم أحياناً إلا أن الثمن كان باهظاً في مرات عدة، على الرغم من أنّ القوانين والدساتير في مختلف دول العالم ومنها بعض الدول العربية تكفل حق التظاهر السلمي وتضمن حماية المتظاهرين من الاعتداء عليهم من قبل الآخرين سواء كانوا رجال الأمن والشرطة أو ممن يخالفونهم في آرائهم، إلا أنّ هذا لم يحل دون حدوث أعمال عنف وقتل وتخريب واستغلال من بعض الفئات لثغرات أدت إلى ما أدت إليه من حوادث مؤسفة في غير بلد عربي. إن ممارسة هذا الحق تتطلب وعياً والتزاما أخلاقياً لكي يتمكن الأشخاص من إيصال أفكارهم ومطالبهم إلى الحكومة وبالتالي التعبير عن آرائهم بشكل حضاري من دون التعرض أو المساس بحقوق وحريات الآخرين، لا سيما أن هدف أغلب التظاهرات هو إيصال رسالة بمطالب محددة كالقضاء على الفساد وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من أمور تمس الحياة اليومية للمواطن. انطلاقاً من هنا بات تعميم ثقافة التظاهر أمراً ملحاً وضرورياً لتجنب أية مشكلات أو اعتداءات سواء على الأفراد أو الممتلكات، فهي تعني أن تمارس حقك وحريتك وتعبر عن مطالبك من دون المساس أو التعرض لحقوق الآخر أو حريته، فطالما كان هدف التظاهر إيصال رسالة إلى الحكومة والسلطات تتضمن مطالب محقة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فلا بدّ من إيصالها بشكل حضاري وسلمي لا يعرض أمن الوطن والمواطنين للخطر.
التظاهر السلمي المسموح به هو الذي يعبر عن إرادة الشعب وينطق باسمها، ويكون بعيداً عن العنف والتخريب والاعتداء على الأموال العامة والخاصة، ولا يؤدي بالتالي إلى تعطيل مصالح وأعمال الآخرين.
من الضروري في وقتنا الحالي نشر وترسيخ ثقافة التظاهر السلمي في الدول العربية وبين الجماهير عن طريق السماح للأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بأن تأخذ دورها في هذا الشأن، وتغيير الصورة التي مازالت عالقة في أذهان البعض بأنّ كل متظاهر هو ضد الوطن ويخضع لجهات خارجية.
إننا بنشر تلك الثقافة نسهم في ضبط وحسن استخدام هذا الحق، فيحرص المتظاهر على الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، ويعبر عن رأيه ومطالبه في الزمان والمكان المحددين، وتسهم الدولة بأجهزتها المختلفة من ناحية أخرى في تأمين حماية للمتظاهرين ومنع أي خرق يؤدي إلى العنف أو يؤجج الفتنة ويحرف التظاهرة عن مسارها ويشوه سمعة المتظاهرين. هي إذاً أخلاقيات يجب أن يتحلى بها الفرد ويعمل من خلالها، ليصل إلى مراده بشكل حضاري سلمي.