حسب الله يحيى
على مدى أكثر من شهرين والاحتجاجات والتظاهرات في العراق على أشدها.. لا الفئة المهيمنة على مقاليد الحكم قابلة او معفية او متأمّلة او مراجعة لأصوات المحتجين، ولا هذه الشبيبة من المتظاهرين قادرة على الصمت أكثر من سنوات السكوت الطويلة الامد التي مرت بها..
لذلك بات الصراع الخفي، صراعاً علنياً.. لا يخشى عواقبه أيٌّ من الطرفين.. وهو الامر الذي أدى الى الهوة العميقة والجفاء والمقاطعة الكلية بين الطرفين.. طرف ناقم على أحزاب كان ولاؤها اكبر بكثير من ولائها للوطن وللعراقيين وطرف آخر يعد ثروات بلاده غنيمة يفترض ان يستأثر بها من دون الآخرين.. لذلك حدث الصدام والقطيعة وانعدام الثقة بين الطرفين.. واشتدَّ وتحول الى عنف مباشر. وبات الحسم مطلوباً من كل طرف.. مع اختلاف الاساليب.
المحتجون.. سلاحهم الوحيد هو سلميتهم، وادواتهم عقولهم التي تخص الامر بالمطاليب الانسانية المشروعة والتي ينشدها كل انسان.. انهم يخاطبون القوى السياسية التي تحكمهم.. بالسلام، بالكلام، بالرجاء، بحكمة العقل والمنطق.. ان التفتوا الى الناس وحققوا لهم انسانيتهم. اما الطرف الثاني، فلم يكن له إلا خيار التحدي المسلح، وهو من اسوأ أساليب التحدي في هذا العصر الذي يقوم على الحجة والمنطق والقناعة والاقتناع ولا يمكن فضّ المشكلات بالسلاح أبداً.. من هنا حاول هذا الطرف، ضرب الطرف الاول (المحتجون) بقوة السلاح والتصويب مباشرة الى الرأس حيث مركز العقل والحكمة والتفكير.. وكأنّهم يطلبون من هذه الشبيبة التي تتظاهر في ساحة التحرير والمحافظات الجنوبية (إيّاكم والتفكير وإلّا سيكون مصيركم.. طلقة في الرأس) وفي احيان قليلة يتم التصويب الى القلب من أجل قتل العاطفة ونبض المحبة.. في حين نجد الطرف الاخر (المتظاهرون) يخاطبون هذه القوى السياسية المدججة بالسلاح، ويواجهونها بالصوت والكلمة والاغنية، واللون والكتاب.. وهي الادوات السلمية التي يعتمدونها في ايصال مطالبهم.. بمعنى انهم كذلك يخاطبون (اولي الامر منهم) بالعقل وبالسلام بعيداً عن استخدام السلاح.. إذن كيف نخرج من هذه المحنة والازمة والقطيعة المرة بين الطرفين في وقت يسعى كل واحد منهما الى اعتماد اسلوب مختلف عن الاخر في سبيل الوصول الى قناعة الطرف الاخر؟!
هذا التضاد في أسلوب الطرفين، يريد فيه كل طرف ان يحقق حضوره العقلاني الصحيح.. إلّا ان احد الطرفين يحمل زهرة والثاني يحمل طلقة.. فلمن الغلبة في مثل هذه الحالة؟ إنّ الطرف الذي يستخدم أسلوب العنف والسلاح قد يحقق بعض.. ما يريد بالقوة وبالدم والدموع.. إلّا أنّه لا يفلح في تحقيق مثل هذا النجاح على المدى الطويل.. ذلك أن الغلبة لعقل الطرف الثاني الذي لا يستخدم ارادة السلام بوصفها الارادة الابقى والاكثر رسوخاً في حياة البشر.. ومثل هذا الأسلوب هو الأسلوب الحميد والابقى والاكثر رسوخاً في حياة الشعوب.
أما اساليب الموت والدمار والقمع المستمر والضرب الشرس الاعمى في الرأس فإنّه سينتقل في نهاية الامر الى عالم من المآسي والوحشية التي تلحق الضرر بالجميع وتحول البلاد الى ركام من البنيان والعمران لتصبح أشلاءً.. وهذا ما لا يريده اي طرف بالتأكيد.