بغداد/ فرح الخفاف
لم تقتصر نتائج التظاهرات السلميَّة على دفع الإصلاحات السياسيَّة والاجتماعيَّة نحو الأمام، وإنما لامست أيضاً صُلب احتياجات العراقيين من خلال الدعوات لدعم المنتج الوطني وتغليب المصالح الاقتصاديَّة لشرائح عديدة، أبرزهم الصناعيون والزراعيون، ما حقق انتعاشاً ملموساً في الآونة الأخيرة في ملف تسويقه (المنتج الوطني) وعودة عجلة الإنتاج في مئات المعامل والمصانع من جديد
معرقلات تنامي الإنتاج
وبهذا الشأن يقول المحلل الاقتصادي رحيم الشمري في تصريح لـ{الصباح»: «لم ينقطع المنتج الوطني عن الأسواق في العراق إطلاقاً، لكنَّ جملة من العوامل قد حدت من تنامي الإنتاج، وتغييب المنتجات الزراعيَّة والغذائيَّة والصناعيَّة».
وأكد الشمري «أهميَّة الصناعة العراقيَّة التي تعدُّ من أجود الصناعات العالميَّة، كالتمور والألبان والجلود والأدويَّة والمواد الإنشائيَّة والغذائيَّة، لا سيما أنَّ المعامل أنشئت في البلد منذ أربعينيات القرن الماضي».
ومن أبرز العوامل التي أدت الى تراجع التركيز على الصناعة المحليَّة، بحسب الشمري، هي إشاعة تفضيل المنتوج المستورد، ووجود مشكلة كبيرة بالإعلان والتسويق، فضلاً عن عدم إيجاد الطرق الملائمة لإيصال المنتجات لمنافذ قريبة ومعروفة من المستهلكين».
حملة شعبيَّة واسعة
ويرى أنه «مع بدء الاحتجاجات والتظاهرات ظهر وعيٌ بمختلف المجالات لدى شرائح كبيرة من المجتمع العراقي، التي وجدت أنَّ الصناعة والزراعة تستطيعان توفير فرص العمل وتقليل نسب البطالة في البلد، من خلال التشجيع على اقتناء المنتجات الوطنيَّة التي أدت وبشكل إيجابي الى إطلاق حملة شعبيَّة واسعة لدعم المنتوج الوطني».
وحث على ضرورة «إيقاف الاستيراد العشوائي، خصوصاً أنَّ المواد الغذائيَّة المصنعة داخل العراق لا توضع بها مواد حافظة، وتكون طازجة، على العكس من السلع المستوردة التي قد يستغرق بعضها عدة أشهر لحين وصوله الى العراق ومن ثم الى المستهلك، علاوة على ضمه مواد حافظة تؤثر سلباً في بعض الأمراض المزمنة، أما بخصوص صناعة الادويَّة فإنَّ معضمها يصنع من الأشجار والنباتات ذات الفائدة الطبيَّة، وايضاً المنتجات الزراعيَّة من الخضار والفواكه، إذ تساعد خصوبة التربة وصفاء الماء الوفير من دجلة والفرات على نوعيتها ومذاقها الطبيعي».
أهميَّة التسويق والإعلان
وأكد الشمري «أهميَّة إعطاء التسويق والإعلان والإعلام دوراً أكبر لرسم الطريق الصحيحة للترويج عن المنتجات المحليَّة، وإيصالها للمستهلك، كونها الأجود نوعيَّة والأرخص سعراً، خصوصاً أنها تحقق طفرة اقتصاديَّة مهمة تقوم على أساس تحريك عجلة السوق والحياة العامة». من جانبه، رأى الخبير الصناعي عقيل السعدي أنَّ «أهم عامل في دعم المنتج الوطني هو الإعلام، لإزالة النظرة القاصر لدى المواطن بأنَّ كل منتج وطني هو رديء ولا يستحق أنْ نشتريه قبل أنْ يجربه، وانه لا توجد صناعة وطنيَّة جديرة بالاهتمام.. في حين يهرول نحو المنتجات المستوردة حتى لو كانت رديئة».
إيقاف هروب الأموال
وأضاف الخبير في تصريح خاص لـ»الصباح»: أنَّ «الحملة الشعبيَّة الأخيرة ركزت على أنَّ شراء المنتج الوطني هو بمعنى توفير فرص عمل لابنك ولأخيك وللشباب عموماً، بدل استشراء البطالة القاتلة، فشراء المواطن للمنتج المحلي هو إيقاف هروب الأموال الى الخارج ودورانها في داخل البلد، ما يؤدي الى تعافي الاقتصاد الوطني».
وأثبتت الحملة الوطنيَّة على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب السعدي، فاعليتها «من خلال عرض نماذج من المنتوجات الوطنيَّة، مع بعض الإعلانات التي تصل الى المواطن بكل سهولة وسرعة»، حاثاً على استمرارها وعدم اقتصارها على منتجات معينة بل عرض جميع المنتجات المصنعة في العراق، واعتبار ذلك جزءاً من حب المواطن لبلده، فكل منتج وطني يباعُ هو مساهمة بتشغيل أكبر عددٍ من المصانع المحليَّة، بالتالي توفير فرصة عمل شريفة وكريمة لشاب عاطل، ما يحقق استقراراً مجتمعياً».
المنتجات الأكثر جودة
بدوره، قال المواطن محمد عبد الجليل: إنَّ «المنتجات الوطنيَّة وخصوصاً الغذائيَّة تفوق المستوردة بجودتها ونكهتها الطازجة، إلا أنها غير متوفرة بكثرة في مراكز البيع والمحال»، متأملاً زيادة الطاقات الإنتاجيَّة، بعد الحملات الشعبيَّة لدعم المنتج الوطني التي أسهمت في الإعلان عنه مجاناً. من جهة أخرى، أفاد صاحب أحد معامل الأغذية الخاصة في بغداد، بأنَّ «الإنتاج الوطني في السنوات السابقة كان يواجه العديد من المشكلات والمعرقلات التي تحد من تنامي الإنتاج وتطويره، أبرز هذه المعرقلات الإغراق السلعي للمواد والبضائع المشابهة للمنتج الوطني، وبأرخص الأسعار، عدم توفر الوقود والطاقة الكهربائيَّة، عدم وجود تسهيلات ماليَّة وضريبيَّة، وغيرها من المعرقلات، أما الآن وبفضل الحملات الوطنيَّة لدعم المنتج تحت شعار (صنع في العراق) فأصبح هناك وعيٌ للإقبال على المنتجات الوطنيَّة
وتجربتها، لأنها تضاهي المستورد وتفوقه جودة».