خريطة طريق

آراء 2019/12/24
...

د. كريم شغيدل

على الرغم مما يمر به العراق من ظروف متوترة على خلفية التظاهرات وما أنتجته من معطيات إيجابية على مستوى التعبير عن الإرادة الشعبية والوعي ونبذ الطائفية والمحاصصة والفساد، إلى جانب بعض السلبيات بسبب العنف الذي تخللها وراح ضحيته مئات من الشهداء والجرحى، ثم استقالة رئيس الوزراء وما رافقها من خلافات بشأن اختيار البديل، وانتهاء المدة القانونية، وما أشيع عن الفراغ الدستوري، وتدخلات القوى الخارجية وما إلى ذلك، نقول على الرغم من كل هذا وذاك فإنّ الأمل ببناء عراق ديمقراطي مستقل يتجدد من خلال الأجيال الجديدة بما تمتلكه من وعي حقيقي، فالعراق ليس بلداً هامشياً بل هو رقم صعب في المعادلات السياسية والاقتصادية والتاريخية والثقافية في المنطقة والعالم، وإذا ما قرر النهوض بإرادة شعبه التي لا تقهر سيجد آلاف الفرص من مختلف بلدان العالم لتمد له يد العون، بشرط أن تتوفر له ظروف ملائمة يمكن صناعتها بالتعاون بين الحكومة والمجتمع، وهذا يتوقف طبعاً على نوعية 
الحكومة.
      منذ استقالة السيد رئيس الوزراء لم تستقر الكتل على مرشح مستقل نزولاً عند إرادة الجماهير، بل إنه طلب بديلاً عنه قبل استقالته بنوع من الرهان، لمعرفته المسبقة بمدى الفجوات والتناقضات بين الكتل السياسية، ولم تكن الخيارات ملائمة لرغبة المتظاهرين، بسبب إصرار الكتل على مرشحين من داخل المنظومة السياسية ذاتها، وفي نيتها تتمة ولاية السيد عادل عبد المهدي، لكن الخطبة الأخيرة للمرجعية الرشيدة قد قطعت الطريق أمام طموحات الكتل ومطامحها بدعوتها لانتخابات مبكرة وسن قانون منصف للانتخابات وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، وهذا يعني - وهو ما يتوافق ومطالب المتظاهرين- تشكيل منظومة سياسية جديدة على وفق انتخابات جديدة تكون فيها مساحة واسعة لشخصيات وطنية مستقلة يمكن أن تسهم بإعادة بناء العملية السياسية بمنظور وطني بعيداً عن المحاصصة والفساد الذي عرقل مسيرة البلد وأدخلنا في دوامة من سوء الأداء والصراعات على المناصب وما تدره من مكاسب وفرص غير مشروعة لنهب المال العام.
من هنا يفترض العمل على أساس أن الحكومة المقبلة هي حكومة مؤقتة (تصريف أعمال) وليست بديلة عن الحكومة المستقيلة، ومن مهامها الأساسية إقامة انتخابات مبكرة يترشح عنها برلمان جديد ينتج حكومة جديدة، وستقع على عاتق البرلمان الجديد مهمة تلبية مطالب المتظاهرين بتعديل الدستور وإعادة النظر ببعض القوانين، لا سيما تلك التي تمنح امتيازات خيالية لبعض الفئات، وسن القوانين الضرورية وإلزام الكتل بتطبيقها، مثل قانون الانتخابات وقانون تأسيس الأحزاب وحق الحصول على المعلومة وحصر السلاح بيد الدولة وحل الميليشيات المرتبطة بالأحزاب والكتل السياسية وقانون الخدمة المدنية والتقاعد والعمل ومعالجة البطالة والأمية، وإعادة النظر بالهيئات المستقلة وممارسة الدور الرقابي، كما يقع على عاتق الحكومة المقبلة ما بعد الانتخابات المبكرة مهام كبيرة للنهوض بواقع البلد، وإذا كانت الحكومة قد استقالت نزولاً عند رغبة المرجعية الرشيدة فلنتخذ من مطالبها الأخيرة خريطة 
طريق.