رفض تركي ودولي للأحكام السعودية في قضية قتل خاشقجي
قضايا عربية ودولية
2019/12/24
+A
-A
اسطنبول / فراس سعدون
وبرأت الأحكام الابتدائية كلا من محمد العتيبي، القنصل السعودي في اسطنبول، وأحمد عسيري، نائب رئيس الاستخبارات السعودية، وسعود القحطاني، مستشار ولي العهد السعودي، لعدم ثبوت إدانتهم
بالأدلة.
وتحدث كبار المسؤولين الأتراك، على مدار أكثر من عام، عن تورط هؤلاء المسؤولين، فضلا عن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في إرسال فريقين لتصفية خاشقجي، وتدمير جثته، وتضييع رفاتها، ومحو آثار
الجريمة.
ووثق تقرير لأغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، في 21 حزيران الماضي، تورط بن سلمان، مشيرة لوجود أدلة على ذلك لكنها بحاجة إلى مزيد من
التحقيق.
وقد تدفع الأحكام السعودية إلى تعزيز المطالبة بتدويل القضية.
ونصت الأحكام كافة على “قتل 5 من المدعى عليهم قصاصا (إعدامهم)، وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه، وسجن 3 من المدعى عليهم لتسترهم على الجريمة، ومخالفة الأنظمة، بأحكام مختلفة تبلغ في مجملها 24 عاما، ورد طلب المدعي العام الحكم بعقوبة تعزيرية على 3 من المدعى عليهم لعدم ثبوت إدانتهم في القضية في الحق العام والحق الخاص، وحفظ الدعوى بحق 10 أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة”، على أن تدرس النيابة العامة الأحكام، وتنظر في الاعتراض عليها، أمام محكمة
الاستئناف.
وقال الشلعان إن التحقيقات أظهرت أنه “لا يوجد أي نية مسبقة للقتل عند بداية هذه المهمة، وكان القتل لحظياً عندما قام قائد فريق التفاوض بتفقد مقر القنصلية، وظهر له استحالة نقل خاشقجي إلى مكان آمن لاستكمال المفاوضات معه، وإثر ذلك تم الاتفاق والتشاور مع رئيس فريق التفاوض والجناة على قتل المجني عليه داخل
القنصلية”.
وامتنع المتحدث باسم النيابة السعودية عن الكشف عن أسماء المحكومين بالإعدام والسجن في القضية، معللا ذلك أن نظام الإجراءات الجزائية يحظر إعلان الأسماء قبل أن تصبح الأحكام قطعية.
قصور في المساءلة والعدالة
ووصف حامي أقصوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، قرار القضاء السعودي بأنه أبعد ما يكون عن تلبية تطلعات تركيا والمجتمع الدولي لتسليط الضوء على جميع جوانب الجريمة.
وقال أقصوي، في رد على سؤال بشأن القرار السعودي: إن بقاء تفاصيل مهمة طي الكتمان مثل مصير جثمان خاشقجي، وتحديد المحرضين على قتله، والمتعاونين المحليين إن وجدوا، هو قصور أساسي في مبدأ المساءلة وتجلي العدالة.
وعدّ المتحدث الكشف عن الجريمة، وتحديد المسؤولين والمحرضين عليها ومعاقبتهم؛ مسؤولية وجدانية، فضلا عن كونها قانونية، مجددا تطلع تركيا للتعاون القضائي مع السلطات السعودية.
استهزاء بذكاء العالم
ونعت فخر الدين ألتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، قرار القضاء السعودي بأنه فضيحة واستهزاء بذكاء العالم كله، وأضاف، في تغريدة على تويتر، أن القرار منح حصانة للأشخاص الذين أرسلوا عصابة القتل إلى اسطنبول على متن طائرة خاصة، واغتالوا خاشقجي، وأخفوا جثته، مؤكدا أن تركيا ستواصل جهودها للكشف عن جميع تفاصيل الجريمة.
تجديد الدعوة لمحاكمة في اسطنبول
واعتبر عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، قرار القضاء السعودي غير مُرضٍ، ويؤكد أن المخاوف التركية إزاء المحاكمة السعودية كانت
محقة.
ودعا جليك، في مؤتمر صحفي بأنقرة، إلى ضرورة إنشاء محكمة بمعايير محكمة عليا في اسطنبول، وتحت إشراف دولي، لمحاكمة المتورطين في مقتل خاشقجي.
إغلاق القضية وإعدام الشهود
ورفضت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي التركية، القرار السعودي لعدم كشفه عن سبب الجريمة، والآمر بارتكابها، ومصير
الجثة.
وأوردت وكالة الأنباء التركية الرسمية قول جنكيز إن القرار غير قانوني وعشوائي، ويهدف إلى طي ملف التحقيق، وإغلاق القضية على عجل، وإعدام الشهود ممن يملكون معلومات بشأن الجريمة، وطمس الدليل الذي يقود العدالة الدولية إلى الجهة الآمرة بقتل خاشقجي.
واتهمت جنكيز النيابة العامة السعودية بإصدار قرار في القضية من دون أي إجراءات قضائية، ووسط الإبقاء على أقوال المتهمين سرية، داعية المجتمع الدولي إلى رفض قرار النيابة السعودية، والضغط على الرياض للكشف عن تفاصيل القضية، وتحقيق
العدالة.
متابعة البحث عن الحقيقة
وأفادت جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا بأن القرار السعودي لن يثنيها عن متابعة البحث عن حقيقة مقتل عضو الجمعية جمال خاشقجي، والسؤال عن موقع إخفاء جثته، وتسليم المتورطين في الجريمة للعدالة لينالوا جزاءهم.
وقالت الجمعية، في بيان، إن القرار السعودي اتخذ لإغلاق ملف الحادثة الأليمة، في حين “نحن حقيقةً نريد العدالة من اجل
جمال”.
أمر يدعو للسخرية
ووجهت مقررة الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء انتقادات لاذعة للسلطات السعودية وقراراتها في القضية.
وذكرت أغنيس كالامارد في مجموعة تغريدات على تويتر “يبدو أن القاضي خلص إلى أن قتل السيد خاشقجي كان حادثا لأنه لا يبدو أن هناك نية. القول بأن القتلة قرروا في اللحظة أن يقطّعوا جسده أمر مثير للسخرية تماما. يتطلب التقطيع الحد الأدنى من
التخطيط”.
ونبهت إلى أن “وجود طبيب شرعي مسجل في فريق القتل الرسمي قبل 24 ساعة على الأقل من الجريمة، ومناقشة تقطيع الأوصال قبل ساعتين من حدوثها بالفعل، يشير بوضوح إلى التخطيط”.
ونقلت المقررة الأممية عن مصادرها “جادل المدعي العام بأن قتل السيد خاشقجي كان متعمدا، وجادل ولي العهد بأن ذلك كان حادثا خلاف الأدلة”، متسائلة “خمّنوا أيهما اتبع القاضي؟”.
واستطردت المقررة “كان المتهمون صرحوا مرارا وتكرارا أنهم يطيعون الأوامر، وصرح المدعي العام علناً أن سعود القحطاني، مستشار ولي العهد الشخصي، طالب بخطف جمال خاشقجي (على أساس أنه كان يمثل تهديدا للأمن القومي)، ومع ذلك لا يزال
حرا”.
وواصلت “لم تتم إدانة قنصل المملكة العربية السعودية الذي وافق على أن تصبح قنصليته ومكتبه مسرحا للجريمة، رغم أنه اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لضمان عدم وجود شاهد في القنصلية”.
وذهبت كالامارد إلى أنه “بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، كان مقتل السيد خاشقجي بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء تتحمل دولة السعودية المسؤولية عنه، لكن في أي وقت من الأوقات لم تنظر المحكمة في مسؤولية الدولة”.
وأردفت أن “إعدام جمال خاشقجي استدعى إجراء تحقيق في تسلسل القيادة للتعرف إلى العقول المدبرة، فضلاً عن أولئك الذين حرضوا أو سمحوا أو غضوا الطرف عن القتل، مثل ولي العهد، ولم يتم هذا التحقيق”.
وخلصت المقررة الدولية إلى أنه “عادة ما يكشف الإفلات من العقاب بشأن مقتل صحفي عن القمع السياسي والفساد وإساءة استخدام السلطة والدعاية وحتى التواطؤ الدولي، وجميعها حاضرة في قتل المملكة العربية السعودية لجمال
خاشقجي”.
بدوره قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، يؤيد إجراء تحقيق مستقل ونزيه في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأضاف المتحدث: “من حيث المبدأ، ما زلنا نعارض عقوبة الإعدام. وأخذنا بالاعتبار تقارير التي تفيد بأن ثمانية أشخاص قد أدينوا وحكم عليهم بتهمة قتل جمال
خاشقجي”.
حماية القيادة السعودية
ووجد آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، أحكام قضية خاشقجي “محاولة من السعودية لإبعاد القيادة السعودية وعلى رأسها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وكبار مستشاريه عن الجريمة”.
وطلب شيف، طبقا لبيان أوردته شبكة سي إن إن، من مدير الاستخبارات القومية الأميركية أن “يزود الكونغرس بتقرير خلال 30 يوما، بشأن المسؤولين الحاليين والسابقين الذين شاركوا أو كانوا على علم مسبق بعملية قتل خاشقجي”. وقال إن “المجلس سيصر على متابعة هذا التقرير وسيواصل المحاربة من أجل تحميل منفذي عملية القتل ومن أمر بتنفيذها المسؤولية”.
ضمان محاسبة المسؤولين
وحث دومينيك راب، وزير الخارجية البريطاني، السعودية على “ضمان محاسبة جميع المسؤولين (عن قتل خاشقجي)، وعدم تكرار مثل هذه الجرائم البشعة”.
وقال راب، في بيان، إن “قتل خاشقجي جريمة وحشية، وأسرته تستحق أن ترى العدالة تأخذ مجراها”.
تستر على الجريمة
وقالت لين معلوف، مديرة بحوث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، إن القرار السعودي “عبارة عن تستر على الجريمة، ولا يحقق العدالة لجمال خاشقجي ولا يكشف عن الحقيقة لأحبائه. فقد تم اغلاق المحاكمة، بما في ذلك أمام المراقبين المستقلين، مع عدم توفر معلومات عن كيفية إجراء
التحقيق”.
وتابعت في الموقع الرسمي للمنظمة “لقد أخفق الحكم في التطرق إلى تورط السلطات السعودية في هذه الجريمة المروعة، أو الكشف عن مكان وجود رفات جمال
خاشقجي”.
وأعقبت “وتمنع محاكم المملكة العربية السعودية بشكل اعتيادي المتهمين من الاتصال بمحامين، وتحكم على الأشخاص بالإعدام بعد محاكمات بالغة الجور.
ونظرا لانعدام الشفافية من قبل السلطات السعودية، وفي غياب القضاء المستقل، فلا يمكن أن تتحقق العدالة لجمال خاشقجي إلا بإجراء تحقيق دولي مستقل ونزيه”.
عدم احترام للعدالة
وندد كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، بتبرئة المتهمين الأساسيين في القضية.
وقال ديلوار، في تصريحات صحفية، إن “هذه المحاكمة لم تحترم مبادئ العدالة المعترف بها دوليا”. وأضاف “يمكننا التشكيك في طبيعة هذه القرارات، ولا يمكن للمملكة أن تعيد بناء صورتها بالتعامل مع العدالة بمثل هذه الطريقة”، محذرا من أن “هذه الأحكام يمكن أن تكون وسيلة لإسكات الشهود على عملية الاغتيال إلى الأبد”.