الهنود الأميركان يدعمون حملات الانتخابات الأميركيَّة 2020

بانوراما 2019/12/24
...

سيما ميهتا و مالوي مور  ترجمة: شيماء ميران
ينظر الى الهنود الاميركان (القادمين من شبه القارة الهندية) كمجرد شريحة من المجتمع الاميركي اليوم إلا انهم يمثلون قوة سياسية متزايدة، فقد تبرعت تلك الشريحة بأكثر من ثلاثة ملايين دولار لحملات الدعاية الانتخابية التي ستجري العام المقبل 2020، اي اكثر مما يتمناه المتبرعون لهووليود. وفيما يتعلق بشأن الحزب الديمقراطي، توزع هؤلاء على نطاق واسع بين ثلاثة مرشحين ارتبطوا بمجتمعاتهم، وهم السيناتور كامالا هاريس عن كاليفورنيا؛ من ام مولودة في الهند، والمرشحة الجمهورية تولسي جابارد عن هاواي التي تعتنق الديانة الهندوسية، والسيناتور كوري بوكر عن نيو جيرسي الذي يضم بين مؤيديه نسبة كبيرة من الهنود الاميركان.
وكان المرشحون الثلاثة قد قصدوا المتبرعين الاثرياء في جميع ارجاء البلاد. واستغلت هاريس خلال جمع التبرعات الاخيرة ارتباط والدتها ببلدها الام عند بحثها عن متبرعين ينحدرون من اصولها. 
إذ قالت خلال لقائها مع مجموعة من الاشخاص في باحة قصر واشنطن “ان جدها كان يتمتع بشخصية متحررة جدا، وكان من مقاتلي الحرية في الهند، وقد وضع امها على متن طائرة عابرة للقارات لم تكن معروفة آنذاك، في العام 1959، وأرسلها للدراسة في جامعة بيركلي”.
 وبحسب محللي صحيفة لو انجلس تايمز كشفت النماذج المقدمة من قبل الحملات الدعائية ان هاريس، التي تعد المرشحة الرئاسية البارزة الوحيدة بتراث هندي، تمكنت من جمع اكثر من 387 الف دولار من مجتمع الهنود الاميركان لحملات دعايتها في انتخابات 2020، وهو مبلغ اكثر مما جمعه أي مرشح ديمقراطي اخر في السباق الانتخابي. 
لكن السيناتورة جابارد المنحدرة من اصول جامايكية لم تكن مفضلة كثيرا لدى المتبرعين الديمقراطيين، فجاءت بالمركز الثاني من حيث التمويل بفارق بسيط إذ جمعت اكثر من 374 الف 
دولار.
 
صوت الاقلية
تتعدى شريحة الهنود الاميركان نسبة واحد بالمئة بقليل من مواطني الولايات المتحدة، الا انها قامت خلال السنوات الاخيرة بتنمية النشاط السياسي على نحو متزايد، والتبرع بالمزيد من الاموال للمرشحين والترشح للمنصب. 
وبحسب تحليل  لوس انجلس تايمز لتقارير التمويل الصادرة في الخامس عشر من تموز الماضي فان ما يعكس ميل المجتمع اليساري هو ذهاب ثلثي المبلغ المتبرع به الذي فاق ثلاثة ملايين دولار طوال الدورة الانتخابية للعام 2020 الى الحزب الديمقراطي.
كما تبرع الهنود الاميركان ايضا بأكثر من مليون دولار الى لجان داعمة للرئيس دونالد ترامب، ومن سيشغل المنصب سيتمكن من تسلُم شيكات ذات ستة اصفار مقدمة من لجنة جمع الاموال المشتركة مع الحزب الجمهوري والاحزاب الوطنية. 
واقتصر مبلغ التبرعات للمشرحين الديمقراطيين على ما يقارب ثلاثة الاف دولار للمرحلة الاولية ومبلغ مماثل لغرض الانتخاب 
العام.
ومع ان الناخبين من الهنود الاميركان يميلون كثيرا للديمقراطيين، الا ان اقلية واضحة قد تقبلت الرئيس ترامب، مستشهدة بمواقفه في الاقتصاد ومحاربة الارهاب الاسلاموي، وهي قضية ناضل ضدها وطنهم الأم منذ عقود.
يقول مؤسس الائتلاف الهندوسي الجمهوري شالاب “شالي” كومار، عن الرئيس ترامب: “لقد اوفى عمليا بكل شيء وعد به بشأن السياسة الخارجية وحماية الصناعة وتوفير فرص عمل”.
وحددت لوس انجلس تايمز المتبرعين المنحدرين من اصول هندية المستخدمين لكشوفات جمع الاموال وقاعدة بيانات الاسماء المدونة من قبل الباحثة الاجتماعية في جامعة شيكاغو ديان لودرديل، وأُستنبطت تلك القائمة من بيانات الحكومة السكانية التي يقدم فيها المواطنون القابهم وموطن اصولهم، كما ان هذه الطريقة تعتمدها افضل الجامعات لتوجيه بحث الانتخابات، ومع ذلك لا يمكنها تحديد جميع الهنود الاميركان، ولذا من المحتمل ان يسجل محللو الصحيفة ارقاما اقل. 
ويوضح الخبراء ان هاريس تمكنت من الوصول الى العناوين الرئيسة في اميركا والهند عام 2016، عند انتخابها اول سيناتور اميركية من اصل هندي، لكن كان لها نشاط بين المتبرعين في المجتمع. 
يقول الأستاذ الجامعي في ريفرسايد بكاليفورنيا، الذي يبحث في السياسات الاسيوية الاميركية، كارثيك راماكريشنان “رغم ان مجموعة واسعة من الهنود الاميركان متحمسة لترشيحها، لكنها لم توثق العلاقة مع قاعدة المتبرعين تلك على قدر استطاعتها حتى الان”.
 يشير راماكريشنان وآخرون الى انه لا يوجد مجتمع عرقي موحد، فالتشارك بلون البشرة او الديانة او اللغة لا يضمن الدعم.
لكن البعض في المجتمع الهندي الاميركي يقول ان اصول هاريس الهندية غير مشهورة لان  السيناتورة التي حضرت تجمعا عاما لاشخاص سود ومنضمة الى ناد نسائي افريقي اميركي قد احتضنت سواد بشرتها بطريقة ألقت بظلالها على تراثها الجنوب الاسيوي.
والمثال الذي اشاروا اليه هو مناظرة حزيران عند مواجهتها نائب الرئيس السابق جو بايدن بشأن معارضته السابقة لبعض اشكال النقل لمدارس الدمج العنصري.
 
دعم المتبرعين
اما رئيس صندوق فيكتوري واللجنة السياسية العليا، التي تهدف الى تحشيد الأميركان الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادئ، شيكار ناراسيمهان فيقول: “بعد حادثة المناظرة التي  قالت فيها بوضوح لبايدن’ انا الشخص الاسود الوحيد على المنصة’، تساءل عدد من الاشخاص ‘ماذا حدث لنصفها الاخر؟’”.
وبيّن ناراسيمهان الذي لا يصطف مع اي مرشح ان هاريس نجحت بجمع الاموال من الهنود الاميركان او من (ديسيس- Desis) (المنحدرون من بلدان شبه القارة الهندية- المترجمة) اثناء ترشحها لمنصب المدعي العام لكاليفورنيا ومجلس الشيوخ، لكن لم يكن لها ظهور كثير خلال المناسبات الهندية الاميركية حتى العام الماضي، في حين ان المرشحين الاخرين كان لهم حضور مستمر، ويعلق: “يعتقد الناس انها نجحت في انتخابات مجلس الشيوخ ونسيت 
أمرنا”.
وكانت هاريس قد تحدثت عن الطريقة التي نشأت بها اشتملت على جوانب من ثقافة والديها، لكن الطريقة التي اتبعتها والدتها في تربيتها مع اختها كبنتين سود كانت السبب وراء الكيفية التي ينظر بها المجتمع لهما. وكتبت هاريس في سيرتها الذاتية “ كانت مصممة على ضمان تنشئتنا لكي نكون كنساء سود واثقات وفخورات، وهي الحقيقة التي تمسكنا 
بها”.
اما الطبيب مانان تريفيدي وزوجته سوريخا اللذان استضافا جمع تبرعات واشنطن لهاريس، يُبيّن انجذابهما لتراث هاريس الهندي وكونها ابنة لمهاجرين، ويقول “لدينا طفلتان صغيرتان بأعمار خمس وتسع سنوات، واريدهما ان تكونا قادرتين على احترام الرئيس والتواصل معه”.  
واوضح تريفيدي بأنهما قررا دعم هاريس لاعتقادهما بانها “حادة الذكاء” وبافضل موقع لهزم ترامب، مضيفا “ذلك كان الفيصل رقم واحد”.
اما جابارد فقد تعادلت تقريبا مع هاريس في جمع الاموال من الهنود الاميركان، إذ جمعت تقريبا عشرة بالمئة من مجموع ما حصلته من المتبرعين الفرديين من المجتمع وهو الحصة الاعلى في الساحة.
رغم ان جابارد غير مشهورة وليست هندية اميركية، الا انها كانت مفضلة منذ فترة طويلة لدى متبرعي الديسيس لتدينها الهندوسي وتأييدها القوي للسياسة الخارجية الهندية. جابارد الملتزمة دينيا منذ فترة مراهقتها كانت اول هندوسية منتخبة للكونغرس، وتصطف مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المثير للجدل ومع حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي 
الحاكم.
يقول اخصائي الاورام في شيكاغو بهارات باراي والمسجل بأنه مستقل: “انا اعرفها منذ فترة طويلة، وبعيدا عن الدين، فقد خدمت بلادها كثيرا وهي بعمر صغير، كما انها شخصية قيادية من هاواي خدمت مرتين في العراق لذا فهي محنكة، واعتقد انها تملك افكارا اجتماعية جيدة حول كيفية العمل لخدمة 
الناس”.
 
الاتجاه المعاكس
واوضح باراي بانه لو لم تكن جابارد مرشحة، فكان بامكانه دعم بايدن او هاريس، بينما تفضل بناته الثلاث سيناتورة كاليفورنيا الشابة، كما اشار ايضا الى ان نائب الرئيس السابق له علاقات بالمجتمع الهندي على مدى عقود طويلة.
وقد ارتكب بايدن عدة زلات لا سيما قوله لرجل هندي اميركي عام 2008 اثناء الحديث حول نمو المجتمع في ديلاوير “لا يمكنك الذهاب لشركة سفن ألفن او محلات دانكن دونتس ما لم تملك لهجة هندية بسيطة، انا لا امزح”، لكن جهوده لتقوية العلاقات الاميركية – الهندية ومنها عمله الحثيث كسيناتور من اجل الاتفاقية النووية طغت بشكل كبير على تلك اللحظة.
وجمع بايدن الذي انضم الى ساحة 2020 قبل بضعة شهور اكثر من 173 الف دولار من الهنود الاميركان، الرقم الذي يتوقع ان يرتفع بعد جمع التبرعات الاسبوع الماضي في كاليفورنيا موطن النسبة الاعلى من الديسيس في البلاد.
كما تحدث احد المتبرعين في منطقة الخليج الذي طلب عدم ذكر اسمه بكل وضوح وقال انه تبرع الى حملات هاريس الدعائية السابقة لكنه يدعم بايدن، ويقول “ان المجتمع الهندي يراه احد قادتنا” مستذكرا قيام بايدن والرئيس اوباما باضاءة الفوانيس للاحتفال بعيد ديوالي (عيد ديني للهندوس والسيخ) او مهرجان المصابيح في البيت الابيض، مضيفا “لقد اتخذت كامالا اتجاها معاكسا، وهذا اختيارها الشخصي بإظهار تراثها الافريقي الاميركي وعدم اعطاء اهتمام لتراثها الهندي”. 
لقد جمع بوكر اكثر من 248 الف دولار من متبرعي الهنود الاميركان. أما نيوجيرسي فيقطنها عدد كبير من الديسيس، وقد حافظ بوكر على علاقاته فيها بالمجتمع الهندي لفترة طويلة من خلال حضوره المهرجانات ودعمه لمرشحي الهنود 
الاميركان.
تقول عضو مجلس نيو جيرسي والمتبرعة لبوكر سانجيتا دوشي “انه صادق جدا، ويتحدث حول توحيد الخطاب”. 
واستذكرت دوشي حضوره امسية جمع تبرعات الهنود الاميركان في واشنطن لاحد المنتخبين الجدد من الديسيس وكان بوكر المتحدث غير الهندي الوحيد فيها.
تقول دوشي “انه حيوي جدا، وهاريس كانت متحدثة مذهلة ايضا لكنه سيناتورنا، ولقد تفاعلت معه كثيرا”.
الداعمون لهاريس واثقون بانه عند غربلة الساحة واذا استمرت بالفوز في الاقتراع، فان المتبرعين المتشككين سيتجمعون خلفها.
اما المشاركة في استضافة وجبة غداء الشهر الماضي لهاريس في سان فرانسيسكو آشوك باهت فتقول أن الناس يتجهون الآن لتأييدها، و”سأضيف اموالا اكثر في حفلات استضافتها ليعلم الناس اننا نثق بامرأة يمكنها ان تمسك بزمام السلطة وتدير البيت الابيض للمرة الاولى”. 
وربما يحتاج الامر الى القليل من التملق الزائد من جانب هاريس.
وخلال الفترة الأخيرة اثناء حفلها لجمع التبرعات بواشنطن والذي كان بعيدا عن وسائل الاعلام، وحسب تصوير فيديو لاحد الحاضرين الذي رفض ذكر اسمه خوفا من افساد الحملة، طلب رجل من هاريس تعهدا، إذ قال “عندما تصبحين رئيسة، نريد ان تكون اول زيارة خارجية لك الى الهند بدلا من جامايكا”، فضحكت هاريس ولم تعلق بشيء.